اعلم! أنّ الظاهر ـ بل الجزم! ـ انّ مختار المحقق الطوسي من أقسام الحدوث هو الحدوث الدهرى ، وهو الظاهر من قوله في التجريد : « حدوث العالم بعد عدمه ينفي الايجاب [١] » ؛ فانّ المراد بالبعدية هو البعدية الدهرية بمعنى كون وجوده بعد العدم الصريح والليس الساذج ، فيكون المعنى : انّ وجود العالم بعد العدم الصرف والليس المحض ينفي الايجاب بمعنى عدم انفكاك العالم عن ذات الواجب ، كما قال به الفلاسفة. وليس المراد بالبعدية هي البعدية الزمانية ، لأنّ مثل هذا المحقق أجلّ شأنا وجلالة من أن يقول بتحقّق الزمان الموهوم ، كيف وقد قال في مبحث / ٥١DB / حدوث الاجسام : « واختصّ الحدوث بوقته إذ لا وقت قبله » [٢] ، وهو صريح في نفي الحدوث الزماني. إذ القائل به لا يمكنه نفي الوقت والاستمرار قبله ، لأنّه عبارة عن شقّ استمرار العدم في الوقت الغير المتناهي ؛ ولا البعدية الذاتية ، لانّه أكثر ايمانا وديانة من أن يقول بالقدم وقد قال في / ٥٤MB / شرح رسالة العلم : « ازليته ـ تعالى ـ اثبات سابقية له على غيره ونفي المسبوقية عنه ، ومن يفرض الزمان أو الدهر أو السرمد فقد ساوق معه غيره في الوجود » [٣].
ولا يقال : انّ قوله هذا كما يدلّ على نفي الحدوث الزماني يدلّ على نفي الحدوث الدهري أيضا ؛
لأنّا نقول : مراده بالدهر المنفيّ هو اثبات شيء موجود خارجي يكون مسمّى بالدهر ـ كما يشير إليه قوله : فقد ساوق معه المحال ـ. ونحن أيضا لا نقول بذلك ، فانّ الدهر ـ على ما فسّرناه ـ ليس شيئا مباينا عن ذات الواجب يكون موجودا ، بل هو حدّ الشيء ومرتبته. فالمراد بالحدوث الدهري هو وجود الواجب في حاقّ مرتبته بدون العالم وغيره من الموجودات بأيّ اسم يسمّى ؛ وهذا هو مراد المحقّق. وعلى هذا
[١] راجع : كشف المراد ، ص ٢١٧. [٢] راجع : كشف المراد ، ص ١٢٩. [٣] راجع : رسالة شرح مسئلة العلم ، ص ٤٦.