لا تسلسل أيضا. وكون الشيء بالامكان الذاتي ـ أي : كونه بحيث لا يقتضي لذاته الوجود والعدم ـ لا يوجب كونه ممكنا بالامكان الوقوعي.
ثمّ هذا الجواب يتأتّى عند من جعل الداعي آن أوّل الايجاد ، فانّ المذاهب في اثبات الداعى لفعله ـ تعالى ـ خمسة :
الاوّل : مذهب الحكماء ؛ وهو : انّ الداعي نفس ذات الواجب ـ تعالى ـ ، ولذا قالوا بقدم العالم. فلا يرد عليهم لزوم تخلّف المعلول عن العلّة التامة ؛
الثانى : مذهب الاشاعرة ؛ وهو : انّ الداعى نفس الإرادة ، فانّ المرجّح عندهم هو مجرّد الإرادة بناء على ما ذهبوا إليه من جواز الترجيح بلا مرجّح ؛
والجواب عن الايراد المذكور ـ اعني : لزوم تخلّف المعلول عن العلّة التامّة ـ على هذا المذهب : انّ تمامية العلّة انّما هو بعد الإرادة وهي لم توجد في الأزل ، بل انّما وجدت في الوقت الّذي أوجد العالم ، فقبل ايجاد العالم لم يوجد جزء العلّة ـ اعني : الإرادة ـ ، وبعد وجود الإرادة لم يتخلّف العالم عن الواجب ، فلا تخلّف.
الثالث : مذهب أهل التحقيق من المتكلّمين ؛ وهو : انّ الداعي آن أوّل الايجاد.
بمعنى انّ العالم قبل ذلك لم يكن ليقبل الوجود ، إمّا لقصوره وعدم قبوله الوجود السابق على هذا الآن أو لعدم وجود وقت قبل ذلك الآن ـ كما يشر إليه قولهم : واختصّ الحدوث بوقت إذ لا وقت قبله [١] ـ.
والجواب عن الايراد المذكور على هذا المذهب كما ذكرناه مفصّلا.
ثمّ أهل التحقيق من هذا المذهب جعلوا الداعي هو آن الحدوث على سبيل الوجوب دون الأولوية ، وبعض من لم يثبت جعل الداعي آن الحدوث على سبيل الأولوية ، دون الوجوب ؛ وبطلانه ظاهر!.
الرابع : مذهب بعض المعتزلة ؛ وهو : انّ الداعى مصلحة تعود إلى العالم.
والجواب عن الايراد المذكور على هذا المذهب انّ تلك المصلحة من أجزاء العالم ولا تتمّ العلّة بدونها ، وتلك المصلحة انّما توجد إذا وجد العالم في الوقت الّذي أوجد