ولا يخفى أنّ الاحتمالات الثلاثة المذكورة تتطرّق في النواهي النفسية أيضا حذو المقام بعينه ، وكما أنّ [١] ظهور النهي عن شرب الخمر ـ مثلا ـ في مبغوضيّة متعلّقه [٢] واستنادها إلى اشتمال موضوعه على مفسدة مقتضية للزجر عن ذلك المبغوض يضادّ مطلوبيّة العنوان العدمي من حيث نفسه ، ويدفع الاحتمال الأوّل ، وظهور ما أخذ عنوانا لموضوعه ـ وهو الخمر في المثال ـ في الطبيعة المرسلة [٣] المنطبقة على كلّ مصداق يكشف عن اشتمال
الاحتمال الثالث ، ومقتضاه عدم سقوط القيديّة عن الباقي إذا سقطت عن البعض لاضطرار ونحوه.
[١] بيان لمرحلة الإثبات ، وتقريب لاستظهار الاحتمال الثالث من النواهي النفسية دون الاحتمالين الأولين. [٢] فإنّ ظاهر النهي عن شيء مبغوضية ذلك الشيء وكونه بنفسه مشتملا على المفسدة ، لا محبوبية اتصاف المكلّف بكونه تاركا لذلك الشيء وكون الاتصاف المذكور ذا مصلحة ، فلا دلالة لمثل ( لا تشرب الخمر ) على مطلوبية كونه لا شارب الخمر بوجه ، وإنما يدلّ عليها مثل ( كن لا شارب الخمر ). [٣] فإنّ الخمر اسم جنس مطلق غير مقيد بقيد ، ومفاده الطبيعة المطلقة السارية في جميع مصاديقه والمنطبقة على كل منها ، فكلّ مصداق وجود للطبيعة مشتمل على المفسدة المقتضية للنهي ، فيكون النهي زجرا عن شرب كلّ منها بنحو الانحلال ، فلكلّ فرد امتثال وعصيان مستقلان ، وأمّا لحاظ جميع وجودات الطبيعة أمرا واحدا والزجر عن شربها بهذا