ذلك فالكلام دقيق وعميق ولايختص بطائفة معينة، بل يشمل كل من وضع رجله على
مسار الشيطان وخضع لسيطرته وامتثل أوامره.
تأمّل: خطط الشياطين
شائك وشامل هو البحث بشأن الشيطان وفلسفة خلقه وكيفية نفوذه إلى الإنسان وطول
عمره وقصته مع آدم وجنوده وأعوانّه من الجن والانس وما إلى ذلك من الامور التي
لايسع المجال شرحها والغوص في أعماقها. وسنكتفي ببعض الإشارات التي يمكنها أن تغني
البحث بما ينسجم وما ورد في الخطبة المذكورة.
فالذي تفيده الآيات القرآنية أنّ الشيطان لم يخلق كموجود شرير منذ بداية
الخليقة، بل خلق طاهرا حتى اصطف مع الملائكة (و إن لم يكن ملكاً). غير أنّ حب
الذات والكبر دفعه للتمرد على أمر اللَّه والامتناع عن السجود لآدم عليه السلام،
فلم يرتكب المعصية فحسب، بل إتّهم علم البارئ سبحانه وحكمته ليهوي في وادي الشرك
والضلال. لقد سأل اللَّه النظرة إلى يوم القيامة فأجابه اللَّه بالنظرة إلى يوم
الوقت المعلوم ليتم تمحيص العباد، أو بعبارة اخرى فكما أنّ وجود الشهوات المركبة
في الإنسان البشرية ومقاومة العقل والإيمان تجاه القوى المخالفة إنّما تضاعف قدرة
الإنسان في مسار الطاعة للَّه؛ فانّ الوساوس الشيطانية الخارجية ومجابهتها من قبل
الإنسان إنّما تقوده إلى السمو والتكامل؛ وذلك لأن وجود العدو إنّما يشكل العامل
الذي يقف وراء حركة الإنسان وقوته وتطوره وتكامله. إلّاأنّ هذا لايعني أنّ للشيطان
نفوذ إجباري في الإنسان، بل الإنسان هو الذي يمهد لهذا النفوذ، فقد صرّح القرآن
الكريم بهذا الشأن قائلًا: «إِنَّ
عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ»[1]، وقال في موضع آخر
«إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ
يَتَوَكَّلُونَ»[2] كما
صرّحت إحدى الآيات القرآنية على لسان الشيطان أنّه قال: «وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلّا أَنْ
دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ».[3]