امه. ولعل التعبير بدرج إشارة إلى حقيقة وهى أنّ الأفكار والعادات الشيطانية
ليست طارئة ومفاجئة على الإنسان؛ بل تتجذر فيه بصورة تدريجية؛ كما عبر عنه في حذر
المؤمنين منها حيث يتسنى له اقتياد الإنسان خطوة خطوة نحو الفساد والضلال والكفر. [1]
فقال:
«فنظر باعينهم، ونطق بالسنتهم»
. أي أنّ هذه البيوض والفراخ الشيطانية ستنمو وتترعرع حتى تتبدل إلى شياطين
تتحد معهم بحيث تنفذ في جميع أعضائهم وجوارحهم حتى يعيشون الأزدواج في شخصياتهم،
فهم من جانب إنسان، ومن آخر شيطان، ظاهرهم إنساني أمّا باطنهم شيطاني. عيونهم
وآذانهم وألسنتهم وأيديهم وأرجلهم أدوات تأتمر بأوامر الشيطان، فمن الطبيعي أن
يروا جميع الاشياء بصيغة شيطانية كما أنّ آذانهم تطرب لسماع الانغام الشيطانية.
أمّا في المرحلة الرابعة فيتناول عليه السلام النتيجة النهائية لهذه المسيرة
التدريجية المنحرفة فيقول:
. إشارة إلى أنّ أعمال هؤلاء تدل بوضوح على أنّ الشيطان استحوذ عليهم فتصرف
فيهم كيف يشاء. فحديثهم حديث الشيطان ونظرهم نظر الشيطان وبالنتيجة فان بصمات
الشيطان متجسمة فيهم، والواقع هو أنّ الإمام عليه السلام أراد في هذه المرحلة أن
يعرف هؤلاء الأفراد من خلال أعمالهم الشيطانية. ويبدو أنّ مراده عليه السلام بعض
الأفراد كطلحة والزبير وانصارهما وأصحاب معاوية والخوارج ومن كان على شالكتهم،
رغم أنّ الكتب المعروفة لشرح نهج البلاغة وأسانيدها لم تتعرض إلى الأفراد أو
الطوائف المرادة بكلام الإمام عليه السلام. مع
[1] سورة البقرة/ 168 و 208؛ سورة
الانعام/ 142؛ سورة النور/ 21.
[2] هذا التفسير على أساس أنّ حرف
الباء في بهم للتعدية، امّا إذا فسرت بالاستعانة فانّ مفهوم الجملة سيصبح أنّ
الشيطان بالاستعانة بهؤلاء سيركب الخطأ والزلل؟ ولكن بالالتفات إلى العبارة «وزين
لهم الخطل» وفاء التفريع في فركب يبدو التفسير الأول أنسب.
[4] كلمة «فعل» يمكن أن تكون مفعولًا
مطلقاً لفعل محذوف تقديره «فعلوا ذلك فعل ...» كما يمكن أن تكون مفعولًا مطلقاً
لما سبق (نظر، نطق، ركب وزين) وسيصبح مفهوم الجملة أن أفعال هؤلاء أفعال من شرك
الشيطان في عمله.