حيث أراد الإمام عليه السلام أن يقول كنت أقرب الناس من رسول الله صلى الله
عليه و آله وأعظمهم منزلة وحرمة بل كنت نفس رسول الله صلى الله عليه و آله غير
أنّهم أقصوني بعده وأخذوا يتلاقفون الخلافة التي لا تصلح إلّالي فيرمون بها لمن
يشاؤون.
وذهب البعض إلى أنّه أراد أن يقارن بين خلافته- من تمثله بهذا الشعر- وخلافة
من سبقوه ممن كانوا في نعمة ورخاء بينما حفل عهده لا بتعاده عن عصر رسول الله صلى
الله عليه و آله بالويلات و المصائب «بالطبع هذا إذا كان الأعشى أراد مقارنة حاله
بحال حيان». [3]
ثم يعبّر الإمام عليه السلام عن اندهاشه وذهوله لما يحصل
«فيا عجبا!! بينا هو يستقيلها في
حياته إذ عقدها لاخر بعد وفاته».
الواقع هو أنّ هذه إلعبارة إشارة إلى حديث معروف نقل عن أبي بكر خاطب به
الناس أوائل خلافته حيث قال:
[2] الأعشى من أبرز شعراء الجاهلية.
سئل يونس النحوي: من أشعر الشعراء؟ قال: لا أعلم أشعر هم إلّاأني أقول إمرء القيس
فارسا والنابغة حين الخوف وزهير عند الحب وإلّا عشى عند الطرب، أدرك الإسلام ولم
يسلم، لقب بالاعشى لضعف بصره وقد عمي آخر عمره واسمه ميمون بن قيس، وأراد بشعره
السابق الزمان الذي كان يجالس فيه حيان أخو جابر أحد أشراف اليمامة حين كان يعيش
الأعشى آنذاك في نعمة موفورة فيقارنها مع عيشه الآن في صحاري مكة والمدينة فيقول
أين تلك الحياة من هذه!
[4] لقد استفاضت مصادر الفريقين التي
روت هذا الحديث، وقد أورده إبن أبي الحديد في شرحه لنهج البلاغة، 1/ 169.
و صرّح العالم المصري الكبير الشيخ محمد عبده في شرحه لنهج البلاغة قائلًا:
روى البعض أنّ أبابكر لما تمت له البيعة قال: «أقيلوني فلست بخيركم» لكن أغلب
العلماء رو وا الحديث أنّه قال: «و ليتكم ولست بخيركم» (شرح نهج البلاغة لمحمد
عبده، ص 86 ذيل هذه الخطبة). وجاء في حاشية إحقاق الحق عن ابن حسنويه المحدث
الحنفي الموصلي في كتابه «در بحر المناقب» حديثا مفصلا أنّ أبابكر قال: «أقيلوني
فلست بخيركم وعلي فيكم» (إحقاق الحق 8/ 240). وروى الطبري في تأريخه لما بويع أبي
بكر في السقيفة قال: «أيّها الناس فانّي قد وليت عليكم ولست بخيركم» (تأريخ الطبري
2/ 450 طبع بيروت مؤسسة الأعلمي). وروى ابن قتيبة الدينوري في الإمامة والسياسة
أنّ أبابكر خطب الناس باكياً فقال: «لا حاجة لي في بيعتكم أقيلوني بيعتي» (الإمامة
والسياسة 1/ 20).