تشير الخطبة- كما ذكرنا سابقاً- إلى العواصف العنيفة والخطيرة التي هزت
الامّة الإسلامية وحرفت خلافة رسول الله صلى الله عليه و آله بعيد وفاته عن مسارها
السليم، كما تتعرض لاصلح الأفراد وأجدرهم بالأخذ بزمام شؤون الامّة وزعامتها على
ضوء المنطق والدليل والبرهان، كما تعرج الخطبة على وخامة المعضلات التي أفرزها
تقاعس المسلمين عن الالتزام بنصوص النبي صلى الله عليه و آله الواردة بشأن زعامة
المسلمين.
فقد إستهل الإمام عليه السلام الخطبة بشكواه ممّا آلت إليه الخلافة فقال:
فلان وإنّه ليعلم أنّ محلي منها محل القطب من الرحا [2]».
لا شك ولا إشكال في أنّ الضمير في «تقمصها» يعود إلى الخلافة، ولعل التعبير
بالقميص إشارة إلى أمر وهو أنّ فلاناً قد استغل مسألة الخلافة كقميص يزين به
نفسه، والحال أنّ هذه الرحا تتطلب محوراً قوياً يحفظ نظامها في الحركة ويحول دون
إنحراف مسارها وتعثر بفعل المطبات التي تواجهها وتسيرها بما يضمن مصالح الإسلام
والمسلمين. أجل فالخلافة ليست قميصا، بل هى رحى الجامعة، وليس للخلافة من غنى عن
المحور.
هى ليست ثوباً يرتدى. ثم يستدل عليه السلام بدليل واضح على المعنى المذكور
ليكشف عن مدى علمه وسمو مقامه
يعني رفعة منزلته عليه السلام كأنّه في ذروة جبل أو يقاع مشرف، ينحدر السيل
عنه إلى الوهاد والغيطان، وقوله عليه السلام
«و لا يرقى إليّ الطير»
هذه أعظم في الرفعة والعلو من التي قبلها، لان السيل ينحدر عن الرابية
والهضبة، وأمّا تعذر رقى الطير فر بما يكون للقلال الشاهقة جدا، بل ما هو أعلى من
قلال الجبال، كأنه يقول: إنّي لعلو منزلتي كمن في السماء التي يستحيل أن يرقى
الطير إليها.