الحكم كيف
يرضى بالقائهم في الضرر من ناحية أو أمره و نواهيه؛ فاذن لا يبقى شك في ان تكاليفه
لا تشتمل على ضرر؛ و ان وجد ما ظاهره ذلك من عموم أو إطلاق يشمل موارد الضرر
فاللازم تخصيصه و تقييده. و اما الأحكام المشتملة على الضرر دائما أو غالبا فضررها
متدارك لا محالة بما فيها من المصالح الغالبة و يكشف عن ذلك حكمه بها مع هذا الحال
فهي و ان كانت ضررية بظاهرها، و لكن لا ريب في ان الشارع حكم بها لمصالح تفوق على
ما فيها من المضار فالجهاد و ان كان فيه تلف النفوس، و نقص من الأموال و الأنفس و
الثمرات، الا ان فيه عز المسلمين و حفظ بيضة الإسلام و ثغوره، و احكامه و حدوده و
فيه من المنافع العاجلة و الآجلة ما لا يحصى، و من الواضح ان كون الشيء نافعا أو
ضارا تابع لا قوى الجهات الموجودة فيه من المنافع و المضار، و لا يزال العقلاء
يقدمون على أمور فيها ضرر من بعض الجهات لمنافع أقوى تترتب عليها، و لا يسمونها
ضررا و شرا بل يعدونها نفعا و خيرا، و الحاصل انه لا بد من تقييد إطلاقات الأحكام
الواردة في غير هذه الموارد و حصرها على غير موارد الضرر.
لأنا نقول:
إذا كان حكم الشارع في الموارد التي تستلزم الضرر دائما أو غالبا كاشفا عن مصالح
تربو على المضار الظاهرة فيها و معه لا يكون الحكم ضرريا فليكن إطلاق حكمه أو عمومه
في مثل الصوم و الوضوء الشامل للصوم و الوضوء الضرريين أيضا كاشفا عن وجود مصالح
في هذه الموارد ينتفي معها عنوان الضرر، فالتمسك بالأولوية القطعية في هذه الموارد
و التعدي من دليل نفى الضرر إليها بهذه الأولوية ممنوع جدا بعد عدم إحراز موضوع
الضرر فيها بل و إحراز عدمه.
و من أقوى
المؤيدات على ما ذكرنا من عدم شمول دليل نفى الضرر للعبادات الضررية و أمثالها من
التكاليف التي ينشأ منها الضرر في بعض مصاديقها ان قدماء الأصحاب بل و كثير من
متأخريهم (فيما حضرني من كلماتهم) مع استقامة أنظارهم في فهم المفاهيم العرفية من
الكتاب و السنة لم يفهموا من قاعدة نفى الضرر شمولها لمثل هذه الاحكام و لم
يستندوا إليها في أبواب العبادات الضررية، و انما استدلوا بها في أبواب المعاملات
مثل خيار الغبن و غيره مما يرجع الى إضرار الناس بعضهم ببعض