قال اللَّه
تعالى لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَ لا مَوْلُودٌ لَهُ
بِوَلَدِهِ[1] نهى سبحانه عن إضرار الام بولدها بترك إرضاعه
غيظا على أبيه لبعض الجهات، كما انه نهى عن إضرار الأب بولده بمنع رزقهن و كسوتهن
بالمعروف مدة الرضاع، فيمتنعن عن إرضاع الولد، فيتضرر منه الولد، و هذا أظهر
الاحتمالات في معنى الآية الشريفة، و يشهد له صدرها أيضا حيث قال سبحانه
«وَ الْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ
أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ وَ عَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَ
كِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ» فإنه يشتمل على حكمين: حكم إرضاع
الام حولين كاملين و حكم الإنفاق عليهن مدة الرضاع، و ذيل الاية متمم لهذين
الحكمين فكأنه سبحانه قال: فان ابى أحدهما عن القيام بما هو وظيفة له- الأب من
الإنفاق و الام من الإرضاع- فعلى الأخر ان لا تعامله بترك وظيفته فيضر بالولد من
هذه الناحية، و يؤيده أيضا قوله تعالى «وَ عَلَى الْوارِثِ
مِثْلُ ذلِكَ» كما لا يخفى، و على هذا يكون قوله «لا
يُضَارَّ» مبنيا للفاعل و الباء زائدة فإن المضارة تتعدى بنفسها.
و قد يذكر في
معنى الآية احتمالات أخر مبتنية على كون «لا
تُضَارَّ» مبنيا للمفعول و الباء للسببية مثل ما ذكره الفاضل المقداد في «كنز
العرفان في فقه القرآن» حيث قال: «قيل ان المراد ان لا يضار بالوالدة بأن يترك
جماعها خوفا من الحمل و لا هي تمتنع من الجماع خوفا من الحمل فتضر بالأب روى عن
الباقر و الصادق عليهما السلام» و على هذا المعنى، الآية تدل على نهى الأب عن
الإضرار بالأم و بالعكس بسبب خوف الولد، و على الأول تدل على نهيهما عن الإضرار
بالولد، فهي على كل حال دالة على نفى الضرر و النهى عن الإضرار في الجملة و هو
المطلوب و اما تمام الكلام في فقه الآية فهو في محله و قال أيضا في حق النساء
المطلقات «وَ لا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ»[2] نهى سبحانه عن الإضرار و التضييق على المطلقات في السكنى و النفقة
في أيام عدتهن، كما اوصى بهن في موضع آخر بقوله وَ لا
تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا[3]
نهى عن الرجوع الى المطلقات الرجعية لا لرغبة فيهن بل لطلب الإضرار بهن كالتقصير
في النفقة أو