عند الله، إذن يجب علينا أن نسلك نفس الطريق الذي سلكوه، فلا بدّ أن نحول
التوسل إلى مدرسة لتربية الإنسان و تطويره، و أن لا نتوقف عند التوسل و ننسى
الأهداف الراقية للتوسل. و هذا أمر مهم يجب أن نتوجه إليه.
3. التوسل في الأمور التكوينية
الملاحظة الأخرى هي: أنّ التوسل بعالم الأسباب حاصل في الأمور التشريعية، كما
هو حاصل في الأمور التكوينية أيضاً، و كلاهما لا يتنافى مع التوحيد، فنحن عند ما
نريد أن نحصل على نتائج ايجابية في حياتنا الطبيعية، نلجأ إلى الأسباب، فنحرث
الأرض، و ننثر البذر، و نسقي الزرع، و نحارب الآفات، و نحصد المحصول في آوانه،
لنستفيد منه في حياتنا.
فهل التوسل بهذه الأسباب يؤدي بنا إلى الغفلة عن الله؟ و هل الاعتقاد بأنّ الأرض
تغذي بذور الأعشاب، أو أنّ نور الشمس و قطرات المطر التي تبعث على الحياة هي التي
تنمي البذور و الأزهار و الثمار؟ و بصورة عامة هل الاعتقاد بعالم الأسباب منافياً
للتوحيد الأفعالي؟
و يقيناً أنّه ليس منافياً، لأننا نلجأ إلى عالم الأسباب، و مسبب الأسباب هو الله
سبحانه و تعالى، و كما في المثل «يختص كل هذا الثناء بالملك العظيم» [1] إذاً فكما أنّ
التوسل بالأسباب الطبيعية لا يتنافى مع أصل التوحيد في الأفعال، فكذلك الأمر في
عالم التشريع، لأنّ التوسل بالأنبياء و الأولياء و المعصومين و طلب الشفاعة منهم
عند الله سبحانه و تعالى لا يتنافى مع أصل التوحيد أبداً.