العرب، هاجت مشاعره و انفعل عند سماع بضع آيات من القرآن، و لم يتوصل تفكيره
العميق الى إلصاق أي تهمة به إلّا أن يصفه بالسحر و إلّا أنْ يصف رسول اللَّه
بالساحر!
و على الرّغم من أنَّهم راحوا يكررون إلصاق صفة السحر بآيات القرآن على سبيل
الذم و التنديد، إلّا أنَّ ذلك كان في الواقع مدحاً و تكريماً، إذ أنَّ فيه
اعترافاً ضمنياً بسيطرة القرآن الكريم الخارقة للعادة على المخاطب و نفوذه الى
أعماقه. بحيث إنّك لا تستطيع أنْ تفسر ذلك تفسيراً عادياً، إلّا أنْ تقول أنَّ فيه
جاذبية غامضة و مجهولة.
و لكنهم بدلًا من أنْ يتقبلوا تلك الحقيقة و يعتبروها معجزة فيؤمنوا بها،
انحرفوا عن جادة الصواب و قالوا إنَّها سحر و أساطير.
و يذكر لنا التاريخ أمثلة كثيرة عن أشخاص غلاظ شداد كانوا يفدون على رسول
اللَّه صلى الله عليه و آله، و ما أنْ يستمعوا الى بضع آيات منه حتى يتغير حالهم و
ينبعث نور الايمان في قلوبهم، الامر الذي يدل بوضوح على أنَّ ما في القرآن الكريم
من فصاحة و بلاغة معجز.
بل إنَّنا في أيّامنا هذه نجد العارفين بآداب اللغة العربية كلما كرروا تلاوة
القرآن الكريم ازداد إحساسهم بالراحة و اللذة لما فيه من حلاوة و ما يثيره فيهم من
شعور بحيث أنَّهم لا يتعبون من تكرار تلاوته.
و تتصف العبارات القرآنية بالدقة المتناهية المحسوبة، فالقرآن عفيف البيان
متين البنيان، و هو في الوقت نفسه ناطق صريح، و صارم شديد عند الاقتضاء.
و لا بدّ من الاشارة الى أنَّ العرب منذ ذلك الوقت كانوا قمة في الفنون