ظنّوا فيه المفسدة حرّموه «و منع قليل منهم القياس و الاستحسان و لكنه شاذ»،
كلّ ذلك يسمّى عندهم اجتهاداً بالمعنى الخاصّ.
و أمّا أصحابنا الإمامية (رضوان الله تعالى عليهم) فقد قالوا بأنه ليس هناك
واقعة لا نصّ فيها و لا يوجد أمر خال عن حكم شرعي، و إن الدين قد كملت أصوله و
فروعه بحيث لم يبق محل لتشريع أحد أبداً.
نعم هذه الأحكام تارة وردت في نصوص خاصّة، و أخرى في ضمن أحكام كلية و قواعد
عامة و جميعها محفوظة عند الإمام المعصوم، صادق بعد صادق، و عالم بعد عالم و وصلت
أكثرها إلينا من طريق الكتاب و السنّة و الإجماع و دليل العقل، و ربّما لم يصل
بعضها إلينا، و لكنّه ثابت في الواقع، فعلى المجتهد الجد و الجهد في الحصول عليها،
و إن يئس عن الوصول إلى بعضها أحياناً فعليه الأخذ بما هو وظيفة الشاك، من الأصول
العملية التي لا تخرج عنها واقعة، و لا يشذ عنها شاذ، بل هي جامعة و شاملة لجميع
الموارد المشكوكة فعلى هذا، «الفراغ القانوني» غير موجود في مكتب أهل البيت (عليهم
السلام) و من يحذو حذوهم، بل كلّما تحتاج إليه الأمّة إلى يوم القيامة، في حياتهم
الفردية و الاجتماعية، المادية أو المعنوية، فقد ورد فيه حكم إلهي و تشريع إسلامي،
فلا فراغ، و لا نقص أصلًا، و لا يبقى محل لتشريع الفقيه أو غيره.
فالذي للفقهاء دامت شوكتهم، أمران:
الأوّل: الجهد و الاجتهاد في كشف هذه الأحكام عن أدلتها.
الثّاني: تطبيقها على مصاديقها و تنفيذها بما هو حقّها، و الأول هو الإفتاء، و
الثّاني هو الولاية و الحكومة.