و بما أن الكذب رأس مال المنافقين، يبرّرون به ما في حياته من متناقضات، و
لهذا أشار القرآن في ختام الآية إلى هذه الحقيقة: وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ.
ثم تستعرض الآيات خصائص المنافقين، و تذكر أوّلا أنهم يتشدّقون بالإصلاح، بينما
هم يتحركون على خط التخريب و الفساد: وَ إِذا
قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ، قالُوا: إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ.
أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَ لكِنْ لا يَشْعُرُونَ.
ذكرنا سابقا أنّ الإنسان، لو تمادى في الغيّ و الضلال، يفقد قدرة التشخيص، بل
تنقلب لديه الموازين، و يصبح الذنب و الإثم جزء من طبيعته. و المنافقون أيضا
بإصرارهم على انحرافهم يتطبّعون بخط النفاق، و تتراءى لهم أعمالهم بالتدريج و
كأنهم أعمال إصلاحية، و تغدو بصورة طبيعة ثانية لهم.
علامتهم الاخرى: اعتدادهم بأنفسهم و اعتقادهم أنهم ذووا عقل و تدبير، و أن
المؤمنين سفهاء و بسطاء: وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ
آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ، قالُوا: أَ نُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ؟!!.
و هكذا تنقلب المعايير لدى هؤلاء المنحرفين، فيرون الانصياع للحق و إتباع
الدعوة الإلهية سفاهة، بينما يرون شيطنتهم و تذبذبهم تعقّلا و دراية!! غير أن
الحقيقة عكس ما يرون: أَلا إِنَّهُمْ هُمُ
السُّفَهاءُ وَ لكِنْ لا يَعْلَمُونَ.
أليس من السفاهة أن لا يضع الإنسان لحياته خطا معينا، و يبقى يتلوّن بألوان
مختلفة؟ أليس من السفاهة أن يضيّع الإنسان وحدة شخصيته، و يتجه نحو ازدواجية
الشخصية و تعدّد الشخصيات في ذاته، و يهدر بذلك طاقاته على طريق التذبذب و التآمر
و التخريب، و هو مع ذلك يعتقد برجاحة عقله؟! العلامة الثالثة لهؤلاء، هي تلوّنهم
بألوان معينة تبعا لما تفرضه عليهم مصالحهم، فهم انتهازيون يظهرون الولاء للمؤمنين
و لأعدائهم من الشياطين: