و جملة إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تبيّن آخر فرصة للوصيّة، و هذه الفرصة الأخيرة إن فاتت
أيضا فلا فرصة بعدها ... أي لا مانع أن يكتب الإنسان وصيته قبل ذلك، بل يستفاد من
الروايات أن هذا عمل مستحسن.
و لا قيمة لتلك التصورات المتشائمة من كتابة الوصية، فالوصية إن لم تكن باعثا
على طول العمر، لا تبعث إطلاقا على تقريب أجل الإنسان! بل هي دليل على بعد النظر و
تحسّب الاحتمالات.
تقييد الوصية بِالْمَعْرُوفِ إشارة إلى أن الوصية ينبغي أن تكون موافقة للعقل من كل جهة، لأن «المعروف» هو
المعروف بالحسن لدى العقل. يجب أن تكون الوصية متعقلة في مقدارها و في نسبة
توزيعها، دون أن يكون فيها تمييز، و دون أن تؤدي إلى نزاع و انحراف عن أصول الحق و
العدالة.
حين تكون الوصية جامعة للخصائص المذكورة فهي محترمة و مقدسة، و كل تبديل و
تغيير فيها محظور و حرام. لذلك تقول الآية التالية: فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ
عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ.
و لا يظنّن المحرفون المتلاعبون أن اللّه غافل عمّا يفعلون، كلّا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ.
و لعل هذه الآية تشير إلى أن تلاعب «الوصيّ» (و هو المسؤول عن تنفيذ الوصية)
لا يصادر أجر الموصي. فالموصي ينال أجره، و الإثم على الوصي المحرّف في كميّة
الوصية أو كيفيتها أو في أصلها.
و يحتمل أيضا أن الآية تبرئ ساحة غير المستحقين الذين قسم بينهم الإرث عند عدم
التزام الوصيّ بمفاد الوصية. و تقول إن هؤلاء (الذين لا يعملون