هذه المعالم هي في الواقع ليست مثل كتب التاريخ الميتة، بل هي تاريخ حيّ ناطق،
يستطيع أن يحلّق بالإنسان عبر القرون و الأعصار، ليجعله يعيش مع الحوادث الماضية
بكل مشاعره.
الأثر التربوي لهذه المشاهدات أعمق بكثير من تأثير الكتب و المحاضرات و
أمثالها ... فهنا الشعور لا الإدراك، و التصديق لا التصور، و العينية لا الذهنية.
من جهة اخرى، قلّ أن يوجد بين الأنبياء نبيّ كإبراهيم عليه السّلام، خاض ألوان
النضال و تعرض لأنواع الامتحان، حتى قال القرآن عمّا اختبر به: إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ[1].
و هذه المعاناة الطويلة التي عاشها إبراهيم هي التي أهّلته لأن ينال مقام
«الإمامة».
مناسك الحج تجسّد في الأذهان دورة كاملة من مشاهد كفاح إبراهيم و مراحل تكامله
التوحيدي و عبوديته و تضحياته و إخلاصه.
لو فهم المسلمون- لدى أدائهم مناسك الحج- روح الحج و أسراره، و تعمّقوا في
جوانبه «الرّمزية» لكان الحج دورة تربوية في حقل معرفة اللّه و النّبوة و الشخصية
الإنسانية.
بعد هذه المقدمة نعود إلى الخلفيّة التاريخية للصّفا و المروة.
إبراهيم عليه السّلام بلغه الكبر و لم يرزق ولدا، فدعى ربّه أن لا يتركه فردا،
فاستجاب له، و رزقه من جاريته هاجر ولدا سمّاه «إسماعيل».
لم تستطع «سارة» زوجته الاولى أن تطيق الحالة الجديدة، و قد رزق إبراهيم ولدا
من غيرها، فأمر اللّه إبراهيم أن يهاجر بالطفل و الأم إلى مكة حيث الأرض