و هكذا تستطيع الأهواء و المصالح الشخصية أن تقف بوجه طالب الحقيقة، مهما كان
الفرد عاشقا لهذه الحقيقة و توّاقا للوصول إليها فيتركها و يعرض عنها، بل تستطيع
الأهواء أيضا أن تحوّل هذا الفرد إلى عدوّ لدود لهذه الحقيقة.
ما أشدّ خسارة هؤلاء اليهود، تركوا أوطانهم و هاموا في الأرض بحثا عن علامات
أرض الرسالة، ثم ها هم خسروا كل شيء، و باعوا أنفسهم بأسوأ ثمن:
بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ.
لقد ضيعوا كل شيء و كأنهم أرادوا أن يكون النّبي الموعود من بني إسرائيل، و
لهذا تألموا من نزول القرآن على غيرهم، بل ممن شاء اللّه: أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْياً أَنْ
يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ.
و لذلك شملهم غضب اللّه المتوالي: فَباؤُ
بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ وَ لِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ.
بحثان
1- صفقة خاسرة
إنه لخسران عظيم أن تتهيّا للإنسان كل سبل الهداية ثم يعرض عنها لأمور تافهة،
و اليهود المعاصرون للنبي الخاتم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم هم من أولئك،
توفّرت لهم كل هذه السبل، بل تحركوا زمنا يبتغون مصدر هذه الهداية، و عثروا بعد
جهد على مبتغاهم حين حطوا رحالهم بين «العير» و «أحد» انتظارا للنبي الموعود، ثم
إذا هم يخسرون كل شيء، حين علموا أن هذا النّبي المبعوث ليس من بني إسرائيل، أو
أنه لا يحقق مصالحهم الشخصية.
ما أكبر الخسارة حين يبيع الإنسان نفسه بهذا الشكل و يشتري بها غضب اللّه عزّ
و جلّ! بينما ليس لوجود الإنسان ثمن إلّا الجنّة كما