الخلقة و عظيم الصنع و الدّقة ما يحيّر العقول و الألباب.
يقول الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليه السّلام بشأن خلقة هذا الحيوان الصغير:
«إنّما ضرب اللّه المثل بالبعوضة لأنّ
البعوضة على صغر حجمها خلق اللّه فيها جميع ما خلق في الفيل مع كبره و زيادة عضوين
آخرين فأراد اللّه سبحانه أن ينبّه بذلك المؤمنين على لطف (لطيف) خلقه و عجيب
صنعته» [1].
يريد اللّه سبحانه بهذا المثال أن يبين للمؤمنين دقّة الصنع في الخلق، التفكير
في هذا الموجود الضعيف على الظاهر، و الشبيه بالفيل في الواقع، يبيّن للإنسان عظمة
الخالق.
خرطوم هذا الحيوان الصغير يشبه خرطوم الفيل، أجوف، ذو فتحة دقيقة جدا، و له
قوّة ماصة تسحب الدم.
منح اللّه هذا الحيوان قوة هضم و تمثيل و دفع، كما منحه أطرافا و أذنا و أجنحة
تتناسب تماما مع وضع معيشته. هذه الحشرة تتمتع بحساسية تشعر فيها بالخطر بسرعة
فائقة و تفرّ عند ما يداهمها عدوّ بمهارة عجيبة، و هي مع صغرها و ضعفها يعجز عن
دفعها كبار الحيوانات.
أمير المؤمنين علي عليه السّلام يقول في هذا الصدد: «كيف و لو اجتمع جميع حيوانها من طيرها و بهائمها و ما كان من مرحها و
سائمها، و أصناف أسناخها و أجناسها، و متبلدة أممها و أكياسها، على إحداث بعوضة ما
قدرت على إحداثها، و لا عرفت كيف السّبيل إلى إيجادها، و لتحيّرت عقولها في علم
ذلك و تاهت، و عجزت قواها و تناهت، و رجعت خاسئة حسيرة، عارفة بأنّها مقهورة،
مقرّة بالعجز عن إنشائها، مذعنة بالضّعف عن إفنائها» [2].