وإذ لا يسعنا الدخول في غمار هذا البحر
الزخّار لاقتناص درره فإنا نقتصر على إيراد مقطعين من أدعية الصحيفة ، يمثّلان
صورة عمّا جاء فيها ، ممّا تبرز فيه معالم التصدّي السياسي الذي التزمه الإمام عليهالسلام بمنطق الدعاء.
المقطع الأول : دعاؤه لأهل الثغور :
إن الإمام ، لكونه الراعي الإلهي ،
المسؤول عن رعيته وهي الأمة ، يكون الحفاظ على وجود الإسلام ، من أهمّ واجباته
التي يلتزمها ، فلا بد من رعاية شعائره ، وأستمرار مظاهره ، ومتابعة مصالحه العامة
، وتقديمها على غيرها من المصالح الخاصّة بالأفراد ، أو الأعمال الجزئية الفرعية ،
فالحفاظ على سمعة الإسلام وحدوده ، أهمّ من الالتزام بفروع الدين وواجباته
ومحرّماته ، إذا دار الأمر بينه وبينها.
ففي سبيل ذلك الهدف العام السامي ،
لابدّ من تجاوز الاهتمامات الصغيرة ، والمحدودة ، بالرغم من كونها في أنفسها
ضرورات ، لابدّ من القيام بها في الظروف العاديّة ، لكنها لا تعرقل طريق الأهداف
العامة الكبرى.
فالاسلام : كدين ، ليس قائما بالأشخاص ،
ولا يتأثر بتصرفاتهم الخاصّة ، في مقابل ما يهدّده من الأخطار الكبيرة ، فكرية أو
اجتماعية أوعسكرية ، فإذا واجه الإسلام خطر يهدّد التوحيد الممثل بكلمة « لا إله
إلا الله » أو الرسالة المتجليّة في « محمد رسول الله » فإن الإمام يتجاوز كل
الاعتبارات ويهب للدفاع عن هذين الركنين الأهمّ ، وحتى كان على حساب وجود الإمام
نفسه ، أو عنوان إمامته ، فضلا عن مصالحه الخاصة ، وشؤونه وصلاحياته.
ومن هذا
المنطلق ، يمكن تحديد المواقف الهامّة للأئمة من أهل البيت عليهمالسلام :
فسكوت الإمام أمير المؤمنين علي عليهالسلام عن مطالبته بحقّه ، ولجوء الإمام الحسن
المجتبى عليهالسلام الى توقيع
كتاب الصلح مع معاوية ، وتضحية الإمام الحسين الشهيد عليهالسلام
بنفسه في كربلاء.
كل ذلك نحدّده على أساس متّحد ، وهو
رعاية المصلحة الاسلامية العامة ، والحفاظ على كيان الإسلام لئلا يمسّه سوء.
وبهذا ـ أيضا
ـ نميز وقوف الإمام زين العابدين عليهالسلام
للدعاء لأهل الثغور.