وقد
انتحلت طوائف من هذه الأمة مفارقة أئمة الدين والشجرة النبويّة أخلاص الديانة ،
وأخذوا أنفسهم في مخاتل الرهبانيّة ، وتغالوا في العلوم ، ووصفوا الإسلام بأحسن
صفاته ، وتحلّوا بأحسن السنّة ، حتى إذا طال عليهم الأمد ، وبعدت عليهم الشقّة ،
وامتحنوا بمحن الصادقين : رجعوا على أعقابهم ناكصين عن سبيل الهدى ، وعلم النجاة.
وذهب آخرون الى التقصير في أمرنا ، واحتجّوا
بمتشابه القرآن ، فتأوّلوه بآرائهم ، واتّهموا مأثور الخبر ممّا استحسنوا ،
يقتحمون أغمار الشبهات ، ودياجير الظلمات ، بغير قبس نور من الكتاب ، ولا أثرة علم
من مظانّ العلم ، زعموا أنهم على الرشد من غيّهم.
والى
من يفزع خلف هذه الامة؟!
وقد
درست أعلام الملّة والدين بالفرقة والاختلاف ، يكفّر بعضهم بعضا ، والله تعالى يقول
: ( وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ
مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ )
[ ( سورة البقرة (٢) الآية (٢١٣) ].
فمن
الموثوق به على إبلاغ الحجّة؟ وتأويل الحكمة؟ إلاّ الى أهل الكتاب ، وأبناء أئمة
الهدى ، ومصابيح الدجى ، الذين احتج الله بهم على عباده ، ولم يدع الخلق سدى من
غير حجّة.
هل
تعرفونهم؟
أو
تجدونهم إلاّ من فروع الشجرة المباركة ، وبقايا صفوة الذين أذهب الله عنهم الرجس ،
وطهّرهم تطهيرا ، وبرّأهم من الآفات ، وافترض مودّتهم في الكتاب [١].
وقال عليهالسلام
لرجل شاجره في مسألة شرعيّة فقهيّة :
يا هذا!
لو
صرت الى منازلنا ، لأريناك آثار جبرئيل في رحالنا ، أيكون أحد أعلم بالسنّة منّا؟[٢].
وقال لرجل من أهل العراق :
[١] كشف الغمة
للاربلي ( ٢ : ٩٨ ـ ٩٩ ) وانظر جامع أحاديث الشيعة للبروجردي ( ١ : ٤٠ ) الإمام
زين العابدين للمقرّم (ص ٢٤٢).