و كان عليه السلام يحمل عليهم مرّة بعد مرّة و يدخل في غمارهم
و يقول:
اللّه اللّه في البقيّة،
اللّه اللّه في الحرم و الذرّيّة، فكانوا يقاتلون أصحابهم بالجهل، فلمّا أصبح
صلوات اللّه عليه كان القتلى من عسكره أربعة آلاف رجل، و قتل من عسكر معاوية اثنين
و ثلاثين ألفا، فصاحوا: يا معاوية، هلكت العرب، فاستغاث بعمرو، فأمره برفع
المصاحف.
قال قتادة: كانت القتلى
يوم صفّين ستّون ألفا. و قال ابن سيرين: سبعون ألفا، و هو المذكور في أنساب
الأشراف، و وضعوا على كلّ قتيل قصبة، ثمّ عدّوا القصب[1].
قلت: أعظم بها فتنة يملّ
من رصفها البنان، و يكلّ عن وصفها اللسان، و يخفق لذكرها الجنان، و يرجف لهولها
الانسان، طار شررها فعمّ الآفاق، و سطح لهبها فعمّ بالاحراق، و ارتفع رهج سنابكها
فبلغ أسباب السماء، و ضاقت سبيل مسالكها فانسدّ باب الرجاء.
يا لها فتنة اطّيّرت
رءوس رءوسها عن أبدانها، و ابترت نفوس قرومها بخرصانها، و برقت بوارق صفاحها في
غمائم عبرتها، و ضعفت رواعد هزبر أبطالها في سحائب مزنها، قد كفر النقع شمسها، و
أخرس الهول نفسها، و أبطلت مواقع صفاحها حركات أبطالها، و صبّغت أسنّة رماحها
أثباج رجالها بحرباتها، لا يسمع فيها إلّا زئير اسد غابها سمر القنا، و لا ترى
منها إلّا وميض بريق مواضي الأسنّة و الضبا، كم افترست ثعالب عواملها ليثا عبوسا؟
و كم اخترمت بحدود مضاربها أرواحا و نفوسا؟ و كم أرخصت في سوق قيامها على ساقها
نفيسا؟ و كم أذلّت بتواصل صولات حملات
[1] مناقب ابن شهرآشوب: 3/ 174- 181، عنه البحار:
32/ 580- 589.