فقال قائلهم: هبّت علينا
سموم عاصف لو هبّت على جبل لأذابته بحرّها، فأتت على أرواح الإبل جميعها، و لم
تترك منها كبيرا و لا صغيرا إلّا أهلكته.
فبينا هو يتعجّب من ذلك
و يحمد اللّه و يشكره إذ أتت الأكرة قائلين: قد نزلت بنا صاعقة فلم تترك من الزرع
و الأشجار و الثمار شيئا إلّا أحرقته، فلم يزده ذلك و لم يغيّره و لم يفتر لسانه
عن ذكر اللّه و عن التسبيح و التقديس.
فبينما هو كذلك يحمد
اللّه و يشكره إذ أتاه آت قد أتى باكيا حزينا يلطم وجهه و يحثو التراب على رأسه،
فسأله أيّوب: ما الخبر؟
فقال: إنّ ابنك الأكبر
أضاف باقي إخوته فوضع لهم الطعام و بعضهم قد ابتدأ بالأكل، و بعضهم لم يبتدئ إذ
خرّ السقف عليهم فماتوا جميعهم، فاستعبر أيّوب، ثم استشعر لباس الصبر، و التوكّل
على اللّه، و تفويض الأمر إليه، و أخذ في السجود قائلا: يا ربّ إذا كنت لي لا
أبالي، ثمّ بعد ذلك حلّ به من الأسقام و الأمراض في بدنه ما لا يوصف كثرة، و لم
يشتك إلى مخلوق، و لم يفوّض أمره إلى غير ربّه سبحانه، و أمّا قوله: (أَنِّي
مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)[1] فإنّما كان لما روي أنّ
الشيطان أتاه في صورة طبيب فقال: إن أردت أن أشفيك من علّتك فاسجد لي، فإنّي ازيل
عنك ما يؤلمك، و أشفيك من علّتك، فصاح أيّوب عند ذلك، و استغاث باللّه قائلا: (أَنِّي
مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)، فولّى عنه إبليس، و قد
يأس منه فأتى زوجته رحمة بنت يوسف و وسوس إليها.
روي أنّه أتاها في صورة
طبيب، فدعته إلى مداواة أيّوب عليه السلام،