هذا ومن الجدير بالذكر أنّ مشركي عهد
الرسالة كانوا يعتقدون لآلهتهم نوعاً من الاستقلال في الفعل ، وكانوا يتوجهون
إليها على هذا الأساس ، وقد مرّ أنّ عمرو بن لحي عندما سافر من مكة إلى الشام ورأى
أُناساً يعبدون الأصنام فسألهم عن سبب عبادتهم لها فقالوا له :
هذه أصنام نعبدها فنستمطرها فتمطرنا
ونستنصرها فتنصرنا [١].
وقد كان ثمة فريق من الحكماء يعتقدون
بأنّ لكل نوع من الأنواع « رب نوع » فوض إليه تدبير نوعه ، وسلمت إليه إدارة الكون
التي هي من شأن الله ومن فعله تعالى ، كما أنّ عرب الجاهلية الذين عبدوا الملائكة
والكواكب ـ سياراتها وثوابتها ـ إنّما كانوا يعبدونها ، لأنّ أمر الكون وأمر
تدبيره قد فوّض إليها ـ كما في زعمهم ـ وإنّ الله عزل عن مقام التدبير عزلاً
تامّاً ، فهي مالكة التدبير دون الله ، وبيدها هي دونه ناصية التصرّف ، ولهذا كان
يعتبر أيُّ خضوع يجسد هذا الإحساس عبادة ، وسيوافيك عقائد العرب الجاهليين حول
معبوداتهم.
القسم الثاني من التفويض
إذا اعتقدنا بأنّ الله سبحانه فوّض إلى
أحد مخلوقيه بعض شؤونه كالتقنين والتشريع ، والشفاعة والمغفرة فقد أشركناه مع الله
، وجعلناه نداً له سبحانه ، كما يقول القرآن الكريم :