إنّ جميع الظواهر الكونية ومنها أفعال
البشر وإن كانت داخلة في إطار الإرادة الإلهية وليس شيء منها يتحقّق بلا إذنه
وإرادته ، ولكن يجب علينا أن نعرف كيفية تعلّق إرادته سبحانه بالظواهر الكونية
عامة وأفعال البشر خاصة ، فنقول : إنّ إرادته سبحانه تعلّقت بصدور كل شيء عن
مباديه الخاصة ، فلو كان الفاعل مضطراً ومجبوراً ، فقد تعلّقت إرادته بصدور فعله
عنه بالجبر والاضطرار وان كان الفاعل مريداً مختاراً تعلّقت إرادته بصدور فعله عنه
بالإرادة والاختيار.
إنّ الإرادة الإلهية الأزلية إنّما تكون
موجبة للجبر ومستلزمة له في صورة واحدة بينما لا تكون مستلزمة للجبر في صورة أُخرى
، فإن قلنا بأنّ الإرادة الإلهية تعلّقت بصدور كل ظاهرة من علّتها لا عن اختيار ،
ففي هذه الصورة تكون الإرادة الإلهية موجبة للجبر ، ولكنّنا إذا اعتبرنا العالم
هذا عالم الأسباب والمسببات وتصوّرنا لكلّ معلول علّة خاصة به واعتبرنا الإنسان ـ
من بين هذه الأسباب والعلل ـ فاعلاً مختاراً وقلنا بأنّ الإرادة الإلهية تعلّقت
منذ الأزل بأن يصدر الفعل البشري منه بكامل اختياره وحريته ، ففي هذه الصورة بين
هذا وبين الجبر مئات الفراسخ والأميال.
جواب على سؤال
لو قال أحد : إذا كان عالم الممكنات بكل
خصائصه وآثاره مخلوقاً لله ، ومنبعثاً عن إرادته ومشيئته ، فقدرته وسعت كل شيء
وشملت كل الوجود بلا استثناء إذن ، فكيف يمكن أن تنسب أفعال البشر القبيحة إلى «
الله » سبحانه ؟
هل يمكن أن نسند الظلم والأفعال القبيحة
إلى الله ونعتبرها مرادة ومخلوقة له ، وهو القائل :