ذهب المعتزلة إلى أنّ كل ممكن مؤثر ،
يحتاج في ذاته إليه سبحانه لا في فعله ، فوجوده فقط قائم به تعالى ، دون إيجاده ،
وإنّ فعل الممكن يرتبط بنفسه لا بموجده.
فقد فوض تأثير الفاعل ـ في نظر هذه
الطائفة ـ إلى نفس « الأسباب والعلل » بحيث لم تعد هذه الأسباب بحاجة إلى الله في
« تأثيرها وفاعليتها » بل هي تأتي بكل ذلك على وجه الأصالة والاستقلال دون فرق في
هذه الناحية بين الإنسان وغيره.
وقد دفع هذه الفرقة إلى اختيار مثل هذه
العقيدة ، تصور تنزيه الله عمّا يفعله العباد من الآثام والقبائح كالظلم والقتل
والزنا.
فلو كانت « سببية » هذه الأفعال مستندة
إلى الإرادة الإلهية ، لاستلزم ذلك أن يكون عقاب العصاة ـ حينئذ ـ مخالفاً للعدل
الإلهي ، واستلزم نسبة القبيح إليه سبحانه.
فهم بغية الحفاظ على العدل الإلهي
وتنزيهه سبحانه سلكوا هذا المسلك على خلاف البراهين العلمية والفلسفية ، وعلى خلاف
الآيات والأحاديث الإسلامية ، واعتبروا العلل « عللاً مفوضة » فوضت إليها السببية
والتأثير ، بحيث تؤثر دون الاستناد إلى القدرة الإلهية ، أي بالاستقلال والأصالة.
وفي الحقيقة ، جعلوا مكان « الفاعل
المستقل الواحد » ملايين الفاعلين المستقلين ، وبذلك اتخذوا لله ـ بدل شريك واحد ـ
شركاء كثيرين له في الفعل