إلى قوله تعالى : (ومن الليل فسبحه وأدبار السّجود )[١].
فإننا نستشعر هذا الأمر بقلوبنا قبل الأسماع ، هادئاً ناعماً متناسقاً ، وهو يدعو
إلى تسبيح الله وتقديسه آناء الليل وأطرف النهار.
وحينما نستمع إلى قوله تعالى : (نصر من الله وفتح قريب )[٢].
فإن العزائم تهب على هذا الصوت المدوي ، بإعلان النصر لنبيه ، والفتح أمام زحفه ،
فتعم البشائر ، وتتعالى البهجة.
وحينما نستمع إلى قوله تعالى : (لن تنالوا البّر حتا تنفقوا ممّا تحبّون )[٣].
فالصوت الرفيق هذا يمس الاسماع مساً رفيقاً حيناً ، ويوقظ الضمائر من غفلتها حيناً
آخر ، وهو يستدر كرم المخائل ، ويوجه مسيرة التعاطف ، ويسدد مراصد الانفاق ،
والمسلم الحقيقي يسعى إلى البر الواقعي فأين مواطنه؟ إنه الانفاق مما يحب ،
والعطاء مما يحدب عليه ، والفضل بأعز الأشياء لديه ، وبذلك ينال البر الذي ما فوقه
بر.
وحينما نستمع إلى قوله تعالى : (أرءيت الذي يكذب بالدين *
فذلك الذي
يدع اليتيم )[٤]. وتمد
الفتحة لتكون ألف إطلاق ، وتصبح في غير القرآن ( اليتيما ) فإنك تقف عند بحر
الخفيف من الشعر ، وهو من الأوزان الراقصة ، تقف عند صرخة مدوّية ، وجلجلة متأججة
تقارن بين التكذيب بيوم القيامة ، وبين دع اليتيم في معاملته بخشونة وصده بجفاف
وغلظة.
هذه النماذج الخيرة التي تبركنا بإيرادها
، والتي تنبه من الغفوة والغفلة ، وتدفع إلى الاعتبار والعظة ، وتزيد من البصيرة
والتدبر ، قد أضفى عليها الملحظ الصوتي موسيقاه الخاصة ، فعاد القول بصوتيتها من
جملة أسرارها الجمالية ، والتأكيد على تناغمها الإيقاعي من أبرز ملامحها الفنية.
هذه ميزة ناصعة من مزايا فواصل الآيات
باعتبار العبارات.