الفصاحة ، ولكنها
مغالطة واضحة « ولو كان ذلك لكانت النفوس تتشوق إلى معارضته ، لأن طريق الشعر غير
مستصعب على أهل الزمان الواحد ، وأهله يتقاربون فيه ، أو يضربون فيه بسهم »[١].
الرابع
: إن الشعر إنما يقصد إليه بذاته فينظم مع
إرادة ذلك ، ولا يتفق اتفاقاً أن يقول أحدهم كلاماً فيأتي موزوناً ، فالشعر « إنما
ينطلق متى قصد إليه على الطريق التي تعمد وتسلك ، ولا يصح أن يتفق مثله إلا من
الشعراء دون ما يستوي فيه العامي والجاهل والعالم بالشعر واللسان وتصرفه ، وما
يتفق من كل واحد ، فليس بشعر فلا يسمى صاحبه شاعراً ، وإلا لكان الناس كلهم شعراء
، لأن كل متكلم لا ينفك أن يعرض في جملة كلامه ما يتزن بوزن الشعر وينتظم بانتظامه
» [٢].
سقنا هذا في حيثية تنزيه القرآن عن سمة
الشعر وصفته ، لأنه قد وجد فيه ما وافق شعراً موزوناً ، وما يدريك فلعل القرآن
يريد أن يقول للعرب : إن هذا الشعر الذي تتفاخرون به ، نحن نحيطكم علماً بأوزانه
على سبيل الأمثلة لتعتبروا بسوقها سياق القرآن في صدقه وأمانته ، ولا غرابة أن
يكون القرآن يريد أن ينحو الشاعر بشعره منحى الحق والصرامة والفضيلة والصدق ، ومع
هذا وذاك فما ورد من الموزون فيه جار على سنن العرب في كلامها ، إذ قد يتفق
الموزون ضمن المنثور ، بلا إرادة للموزون ، ولا تغيير للمنظوم. فقد حكى الزركشي (
ت : ٧٩٤ هـ ) أن إعرابياً سمع قارئاً يقرأ : (يا أيها
الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم )[٣].