وبعد أن تحقق لدينا أن طريقة القرآن ،
ونهج الاسلام إنما هو الدعوة الى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة ، والجدال
بالّتي هي أحسن ... وأن الأساس والمنطلق هو الحوار لموضوعي المنصف ، القائم على
قاعدة : « وإنا او
إيّاكم لعلى هدى أو في ضلال مبين
» و « ما على
الرسول إلاّ البلاغ » و « فمن شاء فليؤمن ، ومن
شاء فليكفر » وذلك في ظل حرية
العقل ، وحرية التعبير ، وحرية الموقف ...
وعرفنا كذلك : أن الرفق ، والرضا ،
والتفاهم ، وروح التعاون في البحث الموضوعي النزيه والهادف ... هو الجو الطبيعي ،
الذي يريده الاسلام ، ويرى أنه يتهياّ له في ظله تكريس وجوده ، وتأكيد واقعيته
وأصالته ...
إذا عرفنا ذلك كله ... فإننا ندرك : أن
ما يدينه الاسلام ، ويرفضه ، ويسعى إلى ازالته ، هو حالة تكبيل العقل في قيود
الهوى ، والعواطف ، والشهوات ، والمصالح الشخصية ، والقبّلية ، والأهواء والعصبيات
...
فهو يرفض ويحارب ظاهرة : « وجحدوا بها
» من أجل الحفاظ على بعض الامتيازات الظالمة التي جعلوها لأنفسهم ، أو استجابةً
لدواع غير واقعية ولا أصيلة ، أو من أجل الحصول على بعض الملذات الزائلة ، والتمتع
بها ، أو من أجل الحفاظ على مركز اجتماعي ، أو على وضعٍ اقتصادي ، أو سياسي معين ،
وإن كان ذلك على حساب « المستضعفين
الذين لا يستطيعون حيلة ، ولا يهتدون سبيلا
» ، أو حتى على حساب كل المثل والقيم الانسانية ، وكل الضوابط والمعايير والأحكام
الإلهية ...
هذا ... بالاضافة إلى أنّ أولئك
الجاحدين ، بموقفهم الجحودي ذلك ، إنما يعاندون قناعاتهم ، ويضطهدون عقولهم « واستيقنتها أنفسهم
» فيجعلون عقولهم ووجدانهم ، وفطرتهم ، وكل النبضات الانسانية الحية في وجودهم ،
في سجن تلك الأهواء ، والمصالح ، ويثقلونها بالقيود ، ولتكون نتيجة ذلك هي إلقاءها
في سلة المهملات ، مع نفايات التاريخ.
فيأتي الاسلام ... ويقف في وجه هذا
البغي ، ويعمل على تحطيم هذا الطغيان ، فيحرر العقل والفطرة من قيد الجمود هذا ،
لينطلق إلى الحياة ، باحثاً ، ومنقباً ، وبعد ذلك مستنتجا ، وصاحب قرار وتصميم ،
حينما يستكشف كل معاني السمو ، والخير والسعادة ، بعيداً عن كل النزوات البهيمية ،
وصراع الشهوات ،