وتلك مسألة ذات علاقة بخلود الروح ، وهي
من أكبر المسائل الفلسفية التي تنازعتها الفلسفات المتضاربة بالايجاب
والسلب قروناً متمادية ، لأنها أعلق المسائل وأمسّها بقلب الانسان ،
وأكثرها علاقة بشأنه ، إذ هي مُطْمَأنّ آماله عندما ينقطع عن عالم الحسّ.
وكان النزاع على أشدّه بين الماديين المنكرين لخلود الروح ، وبين القائلين
بتجرد الروح وخلودها ، وفي ما يلي نذكر طرفاً من مقالات المذهبين وبعض
أدلتهم :
١
ـ الماديون :
اختلفت أقوال الماديين في محل الروح من الجسد وفي أقسامها ، ولهم مذاهب مختلفة في ذلك [٢]
، لكنهم جميعاً اعتبروا الانسان هو هذا الهيكل المحسوس ، وليس ثمة وجود
مستقل عن المادة يسمّى بالروح ، بل هي من خواص الجسد ، وتخضع لجميع
القوانين التي تحكمه ، ومجموع ظواهر الشعور والعقل والارادة والفكر ، ما هي
إلّا وظائف عضوية مثلها كمثل جميع الوضائف البدنية الاُخرى ، وكذا الآثار
الفكرية والمعرفية عندهم ماهي إلّا نتائج وآثار فيزيائية وكيميائية للخلايا
العصبية والعقلية ، وجميع تلك الآثار والنشاطات الروحة تظهر بعد ظهور
العقل والجهاز العصبي ، وتموت بموت الجسد ، فإذا مات الانسان بطلت شخصيته ،
واندثر بدنه ، وزال معه كلّ ما بلغه من محصول عقلي وارتقاء نفسي وكمال
روحي [٣].