الأحمر ما بين مصر والبلاد البعيدة في الشرق
ليجلب التجارة التي تحتاجها بيزنطية ويستغني بذلك عن طريق القوافل ، وبذلك فقدت
اليمن مصدرها الحيوي الثاني فكانت الهجرة.
ويذكر في هذا الصدد ، أن قبيلة أزد
هاجرت إلى الشمال ، ويختلف المؤرخون في سبب تلك الهجرة. فبعضهم يعزوها إلى إضمحلال
التجارة في بلاد اليمن ، والبعض الآخر يعزوها إلى إنقطاع سد مأرب واضطرار كثير من
القبائل إلى الهجرة مخافة الهلاك.
وبالطبع فإن هجرة القبائل عادة تكون إلى
أقرب منطقة يكثر فيها العشب والكلأ والماء ، يجدون فيها مرعىً خصباً لإبلهم
ومواشيهم.
أما الإفراد ، فإنهم غالباً ما كانوا
يقصدون الحواضر والمدن العامرة بألوان التجارة ، فكان أقرب تلك المدن إلى اليمن
وأوفرها عيشاً البلد الأمين مكة ، موطن الرخاء ـ للسادة ـ والدعة والسلام.
لقد كانت مكة قبل البعثة النبوية مهوى
قلوب الناس ، وذلك نظراً لموقعها الديني العريق الذي يرتبط ببيت الله وموطن
إبراهيم (ع). هذا بالإضافة إلى موقعها الجغرافي ، إذ أنها تمثل نقطة الإرتكاز
بالنسبة للقوافل القادمة من بلاد فارس والعراق والشام إلى بلاد الحجاز واليمن
والحبشة ، ففيها يجد التجار منتجعاً للراحة من وعثاء السفر الطويل المضني ، وسوقاً
تزدحم بأنواع البضائع والمشتريات ، كما يجد الحجاج فيها مستقراً روحياً يميط عنهم
درن الذنوب.
وامتاز أهل مكة في الجاهلية بخصال نبيلة
تلتقي مع حنيفية إبراهيم (ع) ، فقد كانوا حلفاء متآلفين ومتمسكين بكثير من شريعة
إبراهيم (ع) ، فكانوا يختنون أولادهم ، ويحجون البيت ، ويقيمون المناسك ، ويكفنون
موتاهم ، ويغتسلون من الجنابة ، كما تباعدوا في المناكح من البنت ، وبنت البنت ،
والأخت ، وبنت الأخت غيرةً وبعداً عن