نشأ الفتى في ظل أبيه ورعايته ، وحنان
أمه وعطفها ، ضمن مجتمع ألِفَ مقارعة السيوف ، ومطاعنة الرمح ، فكانت الشجاعة احدى
سجاياه التي إتصف بها فيما بعد ، حتى إذا بلغ سن الشباب أخذت نوازع الشوق إلى
أرومته ومضارب قومه في بهراء تدب في نفسه فتدفعه إلى تخطي آداب « الحلف » غير
مكترثٍ ولا مبالٍ.
فقد أحس أن اغترابه هذا ، وبعده عن
الأهل والوطن إنما حدث نتيجة لذنبٍ إقترفه أبوه حيال قومه ، وأن الحلف لا يعني
أكثر من قيدٍ « مهذب » يضعه الحليف في عنقه ، وأعناق بنيه !. بالرغم من براءة
ساحتهم .. كان هذا الشعور يراوده بين الفينة والفينة فتستيقظ في نفسه رغبة
الإنتقام من حلفائه والتمرد على تقاليدهم ، لذا ، فلم يكن هو الآخر اسعد حظاً من
أبيه ، حيث اقترف ذنباً مع مضيفيه « وأخواله » فاضطر إلى الجلاء عنهم أيضاً.
فقد ذكروا أنه : حين كبر المقداد وقع
بينه وبين أبي شمر بن حجر الكندي ـ أحد زعماء كندة ـ خلافٌ ، فما كان من المقداد
إلا أن تناوله بسيفه ، فضرب رجله وهرب إلى مكة [٢].
حين وصل إلى مكة ، كان عليه أن يحالف
بعض ساداتها كي يمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم ، لكن طموحه كان يدفعه إلى إختيار
الرجل القوي المرهوب الجانب ، فكان يتريث في ذلك ، وكان يقول : لأحالفنَّ أعزّ