إنّ التماس العلل الواقعية للأحكام الشرعية من طريق العقل و عرض النصوص على العلل المزعومة و جعلها مقياساً لصحّة النصوص الشرعية و بطلانها، كان أمراً رائجاً بين فقهاء السنّة في عصر الإمام الصادق 7، و على هذا النوع من الاصطلاح تنزّل التعبيرات الشائعة: «إنّ هذا الحكم موافق للقياس و ذلك الحكم مخالف له»، و ليس المراد من القياس فيها، القياس المعروف المؤلف من الأصل و الفرع و الجامع بينهما، بل المراد: تصحيح الأحكام حسب العلل الّتي استحسنها الفقيه حسب عقله و ذوقه، فيوصف الحكم الموافق بالصحّة و المخالف بالبطلان.
و قد كان القياس بهذا المعنى مثارَ معركة فكرية واسعة النطاق على عهد الإمام الصادق 7 و بعض فقهاء عصره، و على هذا الاصطلاح دارت المناظرة التالية بين الإمام و أبي حنيفة: روى أبو نعيم بسنده عن عمرو بن عبيد: دخلت على جعفر بن محمد أنا و ابن أبي ليلى و أبو حنيفة، فقال لابن أبي ليلى: من هذا معك؟ قال: هذا رجل له بصر و نفاذ في أمر الدين، قال: «لعلّه يقيس أمر الدين برأيه» إلى أن قال: «يا نعمان، حدثني أبي عن جدّي أنّ رسول اللّه (صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم) قال: أوّل من قاس أمر الدين برأيه إبليس، قال اللّه تعالى له: اسجد لآدم، فقال: أنا خير منه خلقتني من نار و خلقته من طين، فمن قاس الدين برأيه قرنه اللّه تعالى يوم القيامة بإبليس، لأنّه اتّبعه بالقياس». [1]