ظهر القول بالقياس بعد رحيل النبي (صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم) لمواجهة الأحداث الجديدة، و كان هناك اختلاف حادّ بين الصحابة في الأخذ به، و لو توفّرت بأيديهم نصوص فيها لما حاموا حول القياس، و لكن إعواز النصوص جرّهم إلى العمل بالقياس، لأجل معالجة المشاكل العالقة و المسائل المستحدثة، و قد نقل ابن خلدون عن أبي حنيفة أنّه قال لم يصحّ عندي من أحاديث الرسول إلّا سبعة عشر حديثاً. [1] فإذا كان الصحيح عنده هذا المقدار اليسير فكيف يقوم باستنباط الأحكام من الكتاب و السنّة؟! فلم يكن له محيص إلّا اللجوء إلى القياس و نظائره.
قال عبد الوهاب خلاف: إنّ نصوص القرآن و السنّة متناهية، و الوقائع غير محدودة، فلا يمكن أن تكون النصوص المتناهية مصادر تشريعية لما لا يتناهى، و القياس هو المصدر التشريعي الّذي يساير الوقائع المتجدّدة، و يكشف عن حكم الشريعة فيما يقع في الحوادث و يوفق بين التشريع و المصالح. [2]
هذا النص يدلّ على أنّ اللجوء إلى القياس و أشباهه، كان لأجل انسداد العلم، و عدم التمكّن من استنباط الحكم الشرعي عن طريق الكتاب و السنّة، فلم يروا بدّاً من العمل بالظن القياسي بحجّة أنّه أقرب الطرق إلى كشف الحكم الشرعي في الموارد.
يلاحظ عليه: أنّ عدم إيفاء النصوص بالإجابة عن جميع الأسئلة المتوفرة،
[1]. مقدمة ابن خلدون: 444، الفصل السادس في علوم الحديث. لكنّ الحنفية ينكرون صحّة هذه النسبة إلى إمامهم.
[2]. مصادر التشريع الإسلامي: 35، انظر المنخول من تعليقات الأُصول: 327 و 359.