المبحث الثالث: المشاهد و المقابر من خلال سیرة المسلمین فی خیر القرون

قد تعرّفت علی قضاء الکتاب فی تکریم الأنبیاء و الأولیاء، و أنّ البناء علی قبورهم أو بناء المساجد حول مراقدهم أمر محبّذ؛ ندبت إلیه الشریعة الإلهیّة، و لم ترَ أیّ أثر فیها للتحریم، و علی ذلک درج السلف الصالح عبر القرون، و لم یزل الإلهیّون من أهل الکتاب و المسلمین علی مدی العصور یهتمّون بمقابر الأنبیاء و الأولیاء بالبناء و التعمیر ثمّ التطهیر و التنظیف لها، حتّی أنّ کثیراً من المتمکّنین یُخصّصُون شیئاً من أموالهم لهذه الغایة.
فهذه القباب الشاهقة و المنائر الرفیعة و الساحات الوسیعة حول مراقد الأنبیاء و الأولیاء و حول مراقدصحابتهم فی مختلف الدیار شرقها و غربها، لهی دلیل قاطع علی أنّ هذه السیرة سیرة مشروعة، و إلّا کان علی الصحابة الکرام و التابعین لهم بإحسان رفضها و ردّها بالبیان و البنان و السلطة و القوّة، و إلّا فالسکوت علیها إلی عصر إثارة هذه الشکوک، عصر ابن تیمیة، أدلّ دلیل علی کونها سیرة مشروعة.
و عند ما قام ابن تیمیة بوجه هذه السیرة أثار ثائرة المسلمین ضدّه شرقاً و غرباً، و قد بیّنوا ضلالة تلک الفکرة و انحرافها عن الشرع.