و روی الترمذی قال: حدّثنا قتیبة بن سعید عن مالک بن أنس عن ابن شهاب عن محمد بن عبد اللَّه بن الحارث بن نوفل، أنّه سمع سعد بن أبی وقاص و الضحاک ابن قیس عام حجّ معاویة بن أبی سفیان و هما یذکران التمتّع بالعمرة إلی الحجّ، فقال الضحاک بن قیس: لا یصنع ذلک إلّا من جهل أمر اللَّه تعالی. فقال سعد: بئس ما قلت یا بن أخی! فقال الضحاک: فإنّ عمر بن الخطاب قد نهی عن ذلک. فقال سعد: قدصنعها رسول اللَّهصلی الله علیه و آله وصنعناها معه. هذا حدیثصحیح [1]. و روی ابن إسحاق عن الزهری عن سالم قال: إنّی لجالس مع ابن عمر فی المسجد إذ جاءه رجل من أهل الشام فسأله عن التمتّع بالعمرة الی الحجّ، فقال ابن عمر: حسن جمیل. قال: فإنّ أباک کان ینهی عنها. فقال: ویلک! فإن کان أبی نهی عنها و قد فعله رسول اللَّهصلی الله علیه و آله و أمر به، أ فبقول أبی آخذ، أم بأمر رسول اللَّهصلی الله علیه و آله؟! قم عنّی [2]. و لأجل ذلک کان هذا الصحابی یحرم بإحرام واحد للعمرة و الحج، مع أنّ النبیّ أمر الإحرام بإحرامین: الإحرام للعمرة ثمّ یتحلّل و یتمتّع بمحظورات الإحرام ثمّ یحرم للحج، و ما هذا إلّا لزعم أنّ ترک التمتع بین العملین أکثر قربة إلیه تعالی، و قد برّر فتواه بعد الاعتراف بأنّ عمرة التمتّع سنّة رسول اللَّه بقوله: و لکنّنی أخشی أن یعرسوا بهنّ تحت الاراک ثمّ یروحوا بهنّ حجّاجاً [3]. هذه بعض النماذج التی تعرّض لها التاریخ فی شتّی المناسبات، و الجامع لذلک هو المبالغة فی التعبّد للَّه- حسب زعمه- و هی ناشئة عن قلّة استیعاب المبتدع لما یجب أن یعرفه، فانّ اللَّه سبحانه أعرف بمصالح العباد و مفاسدهم، و بأسباب السعادة
[1] الترمذی، السنن 3: 185، کتاب الحج، ط دار الفکر- بیروت. [2] الجامع لأحکام القرآن 2: 388. [3] أحمد بن حنبل، المسند 1: 49.