نام کتاب : رسالة في التحسين والتقبيح العقليين نویسنده : السبحاني، الشيخ جعفر جلد : 1 صفحه : 6
الفصل الاَوّل
الجذور التاريخية للقاعدة
إنّ المتكلّمين من المسلمين قد خاضوا غمار تلك القاعدة وبحثوا فيها بحثاً
مبسوطاً عجّت بها الكتب الكلامية ـ ومع الاعتراف بذلك ـ إلاّ أنّ القاعدة ليست
من ابتكاراتهم، بل سبقتهم فلاسفة الاِغريق منذ وقت مبكِّر، عند تقسيمهم
الحكمة إلى نظرية وعملية، وحاصل التقسيم انّ ما يدركه الاِنسان على قسمين:
أ. يدرك الاِنسان ما من شأنه أن يُعْلَم، مثل اللّه موجود، والعقل موجود، أو
انّ زوايا المثلث مساوية لزاويتين قائمتين.
ب. يدرك ما من شأنه أن يُعمل، كقولنا: العدل حسن، والظلم قبيح.
قال المعلم الثاني الفارابي (المتوفّى 339هـ): إنّ الحكمة النظرية هي التي
بها يحوز الاِنسان علمَ ما ليس من شأنه أن يعمله إنسان، والحكمة العملية هي التي
يعرف بها ما من شأنه أن يعمله الاِنسان بإرادته. [1]
ثمّ إنّ إدراك ما من شأنه أن يعمله الاِنسان: إمّا راجع إلى سياسة المدن
وتدبير المجتمع، أو راجع إلى تدبير المنزل وإدارة العائلة، أو إلى الاَخلاق والقيم
التي يجب أن يتخلّق بها الاِنسان في حياته.
ومن المعلوم أنّ تمييز الفضائل والرذائل رهن ملاك، ومن الملاكات إدراك