فَدَعَا مُعَاوِيَةُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَ أَمَرَهُ أَنْ يُكَلِّمَ أَهْلَ الْعِرَاقِ فَأَقْبَلَ حَتَّى إِذَا كَانَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ نَادَى: يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ إِنَّهَا قَدْ كَانَتْ بَيْنَنَا وَ بَيْنَكُمْ أُمُورٌ لِلدِّينِ وَ الدُّنْيَا فَإِنْ تَكُنْ لِلدِّينِ فَقَدْ وَ اللَّهِ أَعْذَرْنَا وَ أَعْذَرْتُمْ وَ إِنْ تَكُنْ لِلدُّنْيَا فَقَدْ وَ اللَّهِ أَسْرَفْنَا وَ أَسْرَفْتُمْ وَ قَدْ دَعَوْنَاكُمْ إِلَى أَمْرٍ لَوْ دَعَوْتُمُونَا إِلَيْهِ لَأَجَبْنَاكُمْ فَإِنْ يَجْمَعْنَا وَ إِيَّاكُمُ الرِّضَا فَذَلِكَ مِنَ اللَّهِ فَاغْتَنِمُوا هَذِهِ الْفُرْجَةَ لَعَلَّهُ أَنْ يَعِيشَ فِيهَا الْمُحْتَرِفُ[1] وَ يُنْسَى فِيهَا الْقَتِيلُ فَإِنَّ بَقَاءَ الْمُهْلِكِ بَعْدَ الْهَالِكَ قَلِيلٌ فَخَرَجَ سَعِيدُ بْنُ قَيْسٍ فَقَالَ:
يَا أَهْلَ الشَّامِ إِنَّهُ قَدْ كَانَ بَيْنَنَا وَ بَيْنَكُمْ أُمُورٌ حَامَيْنَا فِيهَا عَلَى الدِّينِ وَ الدُّنْيَا سَمَّيْتُمُوهَا غَدْراً وَ سَرَفاً وَ قَدْ دَعَوْتُمُونَا الْيَوْمَ إِلَى مَا قَاتَلْنَاكُمْ عَلَيْهِ بِالْأَمْسِ وَ لَمْ يَكُنْ لِيَرْجِعَ أَهْلُ الْعِرَاقِ إِلَى عِرَاقِهِمْ وَ لَا أَهْلُ الشَّامِ إِلَى شَامِهِمْ بِأَمْرٍ أَجْمَلَ مِنْ أَنْ يُحْكَمَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَالْأَمْرُ فِي أَيْدِينَا دُونَكُمْ وَ إِلَّا فَنَحْنُ نَحْنُ وَ أَنْتُمْ أَنْتُمْ.
وَ قَامَ النَّاسُ إِلَى عَلِيٍّ فَقَالُوا: أَجِبِ الْقَوْمَ إِلَى مَا دَعَوْكَ إِلَيْهِ فَإِنَّا قَدْ فَنِينَا.
وَ نَادَى إِنْسَانٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ فِي سَوَادِ اللَّيْلِ بِشِعْرٍ سَمِعَهُ النَّاسُ وَ هُوَ:
رُءُوسَ الْعِرَاقِ أَجِيبُوا الدُّعَاءَ
فَقَدْ بُلِغَتْ غَايَةُ الشِّدَّهِ
وَ قَدْ أَوْدَتِ الْحَرْبُ بِالْعَالَمِينَ
وَ أَهْلِ الْحَفَائِظِ وَ النَّجْدَهْ
فَلَسْنَا وَ لَسْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
وَ لَا الْمُجْمِعِينَ عَلَى الرِّدَّهْ
وَ لَكِنْ أُنَاسٌ لَقُوا مِثْلَهُمْ
لَنَا عِدَّةٌ وَ لَهُمْ عُدَّهْ
فَقَاتَلَ كُلُّ عَلَى وَجْهِهِ
يُقَحِّمُهُ الْجَدُّ وَ الْحِدَّهْ
فَإِنْ تَقْبَلُوهَا فَفِيهَا الْبَقَاءُ
وَ أَمْنُ الْفَرِيقَيْنِ وَ الْبَلْدَهْ
وَ إِنْ تَدْفَعُوهَا فَفِيهَا الْفَنَاءُ
وَ كُلُّ بَلَاءٍ إِلَى مُدَّهْ
[1] ح: «المحترق».