الأولى: اختلف علماء الأصول في أن الوجوب إذا رفع هل يبقى الجواز أم لا؟
و تحرير محل النزاع: أنه إذا ثبت الوجوب بدليل شرعي في محل، ثمَّ رفع بدليل آخر عن ذلك المحل هل يبقى الجواز ثابتا فيه، حيث أن الدليل الدال على الوجوب دل على شيئين: الوجوب، و الجواز، و الدليل الرافع له انما يرفع الوجوب خاصة؟ بكل من القولين قال جمع من العلماء:
أما القائلون ببقاء الجواز [1] فاحتجوا بأن المقتضي للجواز موجود، و المانع منه منتف فوجب القول بتحققه.
أما الأول: فلأن الأمر الدال على الوجوب متحقق، لأنه المفروض، و الوجوب ماهية مركبة من الاذن في الفعل و المنع من الترك، فيكون مقتضيا لهما ضرورة كون المقتضي للمركب مقتضيا لكل جزء من أجزائه، لامتناع تحقق المركب من دون تحقق الأجزاء.
و أما الثاني: فلأن الموانع كلها منتفية بحكم الأصل، ما عدا رفع الوجوب و هو غير صالح للمانعية، لأنه انما يقتضي رفع الوجوب الذي قد علمت تركبه من الجزأين، و رفع المركب قد يكون برفع جميع الأجزاء، و قد يكون برفع أحدها، فهو أعم من كل منها، و العام لا يدل على خاص معين، فاذا لا دلالة لرفع الوجوب
[1] ذهب اليه جمع من الأصوليين منهم: محب اللّه بن عبد الشكور في فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت 1: 103، و القاضي البيضاوي في منهاج الأصول المطبوع بمتن الابهاج في شرح المنهاج 1: 126. و لمزيد الاطلاع أنظر: القوانين للميرزا أبو القاسم القمي 1: 127.