و الدليل على ذلك نصوص شرعية متعددة، من أشهرها النص النبوي القائل: «رفع عن أمتي ما لا يعلمون»، بل استدل ببعض الآيات على ذلك كقوله تعالى: وَ ما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا[1]. فان الرسول يفهم كمثال على البيان و الدليل فتدل الآية على انه لا عقاب بدون دليل، و هكذا أصبحت القاعدة العملية هي عدم وجوب الاحتياط بدلاً عن وجوبه، و أصالة البراءة شرعاً بدلا عن أصالة الاشتغال عقلا.
و تشمل هذه القاعدة العملية الثانوية موارد الشك في الوجوب، و موارد الشك في الحرمة على السواء، لأن النص النبوي مطلق، و يسمى الشك في الوجوب ب «الشبهة الوجوبية» و الشك في الحرمة ب «الشبهة التحريمية» كما تشمل القاعدة أيضا الشك مهما كان سببه. و لأجل هذا نتمسك بالبراءة إذا شككنا في التكليف، سواء نشأ شكنا في ذلك من عدم وضوح أصل جعل الشارع للتكليف أو من عدم العلم بتحقق موضوعه، و مثال الأول شكنا في وجوب صلاة العيد أو في حرمة التدخين، و يسمى بالشبهة الحكمية.
و مثال الثاني: شكنا في وجوب الحج لعدم العلم بتوفر الاستطاعة، مع علمنا بأن الشارع جعل وجوب الحج على المستطيع. و ان شئت قلت إن المكلف في الشبهة الحكمية يشك في الجعل و في الشبهة الموضوعية يشك في المجعول و كل منهما مجزي للبراءة شرعاً.