و لكي نرجع إلى المصدر الذي يفرض علينا إطاعة المولى سبحانه لا بد لنا أن نحدّده، فما هو المصدر الذي يفرض علينا إطاعة الشارع و يجب أن نستفتيه في موقفنا هذا؟
و الجواب أن هذا المصدر هو العقل، لأن الانسان يدرك بعقله أن للّه سبحانه حقّ الطاعة على عبيده، و على أساس حق الطاعة هذا يحكم العقل على الانسان بوجوب إطاعة الشارع لكي يؤدّي إليه حقّه، فنحن إذن نطيع اللّه تعالى و نمتثل أحكام الشريعة لأنّ العقل يفرض علينا ذلك، لا لأن الشارع أمرنا بإطاعته، و إلّا لأعدنا السؤال مرّة أخرى و لما ذا نمتثل أمر الشارع لنا باطاعة أوامره؟ و ما هو المصدر الذي يفرض علينا امتثاله؟ و هكذا حتى نصل إلى حكم العقل بوجوب الاطاعة القائم على أساس ما يدركه من حقّ الطاعة للّه سبحانه على الانسان.
و إذا كان العقل هو الذي يفرض إطاعة الشارع على أساس إدراكه لحق الطاعة، فيجب الرجوع إلى العقل في تحديد الجواب على السؤال المطروح. و يتحتّم علينا عندئذ أن ندرس مقدار حق الطاعة الذي يدركه العقل و حدوده، فهل هو حقّ للّه سبحانه في نطاق التكاليف المعلومة فقط- بمعنى أن اللّه سبحانه ليس له حق الطاعة على الانسان إلّا في التكاليف التي يعلم بها، و أمّا التكاليف التي يشك فيها و لا علم له بها فلا يمتدّ إليها حق الطّاعة ... أو أن حقّ الطاعة كما يدركه العقل في نطاق التكاليف المعلومة يدركه أيضا في