ارتكاب مثله خلاف حكم العقل، و لو ظهر التأدي بعد إيقاعه فيكون من الثاني، أو فعل قبيح لو ظهر أوجب الفضيحة و المؤاخذة، و إنما فعله ظنا منه أنه لا يظهر، ثم يخاف من الظهور و المؤاخذة، و لا ريب في أن هذا الظن ناشيء عن الجهل، إذ كل فعل يصدر عن كل فاعل و لو خفية يمكن أن يظهر، و إذا ظهر يمكن إيجابه للفضيحة و المؤاخذة. و العاقل العالم بطبيعة الممكن لا يرتكب مثله، فباعث الخوف في الثاني هو الحكم على الممكن بالوجوب، و في هذا الحكم عليه بالامتناع، و لو حكم عليه بما يقتضي ذاته أمن من الخوفين.
(
الرابع) أن يكون مما توحش منه الطباع، بلا داع عقلي و لا باعث نفس أمري،
كالميت و الجن و أمثالهما، (لا) سيما في الليل مع وحدته، و لا ريب في أن هذا ناشيء عن قصور العقل و مقهوريته عن الواهمة، فليحرك القوة الغضبية و يهيجها لتغلب به العاقلة على الوهم. و ربما ينفع إلزام نفسه على الوحدة في الليالي المظلمة و الصبر عليها، حتى يزول عنه هذا الخوف على التدريج.
ثم لما كان خوف الموت أشد أقسام هذا النوع و أعمها، فلنشر إلى علاجه بخصوصه، فنقول:
باعث خوف الموت يحتمل أمورا:
(الأول) تصور فناء ذاته بالكلية
و صيرورته عدما محضا بالموت.
و لا ريب في كونه ناشئا عن محض الجهل إذ الموت ليس إلا قطع علاقة النفس عن بدنه، و هي باقية أبدا، كما دلت عليه القواطع العقلية و الشواهد الذوقية و الظواهر السمعية، و لعل ما تقدم يكفي لإثبات هذا المطلوب. و مع قطع النظر عن ذلك نقول: كيف يجوز لمن له أدنى بصيرة أن يجتمع عظماء نوع الإنسان بحذافيرهم، كأهل الوحي و الإلهام و أساطين الحكمة و العرفان على محض الكذب و صرف الباطل!فمن تأمل أدنى تأمل يتخلص من هذا الخوف.