اعلم أنه قد اختلف الأصحاب- نوّر اللّه تعالى مراقدهم- في حجّيّة الاستصحاب، و حيث كان كثير الدوران في مقام الاستدلال، و مستندا لجملة من الأعيان في مقام الجدال، مع كونه متعدد الأقسام التي بعضها يصلح للاحتجاج و الإلزام، و بعضها عار عن الحجية و إن ادعتها أقوام، أحببت بسط الكلام في بيانه، و إطلاق عنان القلم ساعة في ميدانه، و تحقيق ما هو الحقّ في المقام المستفاد من أخبار أهل الذكر- عليهم الصلاة و السلام- فنقول: للاستصحاب أقسام:
أحدها: استصحاب نفي الحكم الشرعي إلى أن يرد دليل على ثبوته، و هو المعبر عنه بالبراءة الأصلية. و هو يشتمل على فردين؛ لأن الحكم الشرعي المنفي، إما أن يكون وجوبا أو تحريما، و الفردان قد تقدم إيضاحهما في الدرّة [1] الموضوعة في البراءة الأصليّة [2].
و محط النزاع في الحجية و عدمها هو أحد فرديها، و هو نفي التحريم في فعل وجودي إلى أن يقوم دليله، و أمّا الأمر- و هو نفي الوجوب في فعل وجودي إلى أن يقوم دليله- فلا إشكال في حجيته كما أوضحناه ثمة، فالاستصحاب إن وقع
[1] في «ح»: إيضاحها في درة، بدل: إيضاحهما في الدرّة.