التنبيه الرابع [فى امكان تحريم الشارع التجرى و عدمه]
الرابع: حكي عن ظاهر كلام بعض المحقّقين نقلا عن ابن سينا في الاشارات بناء على الاتّفاق الشرعي أنّ التجرّي قبيح عقلا، و لكنّه لا يمكن للشارع تحريمه، فأنكر إمكان التحريم، لا فعليّته فحسب، و استدلّ لذلك باللغوية إذ العبد الذي لا يرتدع بالحرام الواقعي فهل يرتدع بالحرام بالتجرّي؟
و الشارع حكيم لا ينهى فيما يكون نهيه لغوا و لا يحرّك العبد.
و فيه أوّلا: نفس المحقّق المذكور ممّن يرى القبح و الحسن غير ذاتيين بل ببناء العقلاء، فكيف يقول بقبح التجرّي مع عدم محرّكيته للعبد؟ و هل يحسن بالعقلاء الحكم على التجرّي بالقبح مع علمهم بأنّه لا يحرّك المتجرّي نحو الترك؟
إذ الملاك في اللغوية و عدم المحرّكية بين الشرع و بناء العقلاء سواء.
و ثانيا: بالنقض بالمحرّمات الحقيقية لمرتكبيها، كيف لم يكن لغوا نهي الشارع عنها؟ فالسارق الذي يسرق مع نهي الشارع يلزم أن لا يكون عليه حراما، و هكذا الكاذب، و الظالم، و إلى آخره.
و ثالثا: بالحلّ بأنّ ملاك الأمر و النهي ليس منحصرا في الطاعة، حتّى إذا علم المولى بعدم الطاعة صار الأمر و النهي بلا ملاك، فيكون قبيحا، بل الملاك العام للموالي في الأوامر و النواهي هو القيام بمقام المولوية، و إيفاء حقّ العبيد إليهم.
خصوصا الشارع الذي جعل على نفسه حقّا لعباده، و قال: لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ يَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ[1] فالامتحان هو الأساس في خلق الخلق،