إذ التّرجيح بالمرجّحات المنصوصة لا إشكال و لا خلاف فيه مضافا إلى كونه
متيقّنا على كلّ تقدير مع مساعدة العرف و أهل اللّسان على لزوم التّرجيح
ببعضهاكتقديم الأظهر على الظّاهر و بعد وضعها لا نسلم العلم الإجمالي بلزوم
التّرجيح بشيء آخر مع أنه لو فرض وجوده كان المرجحات الداخلية الغير
المنصوصة و ما يرجع إلى الاعتضاد متيقنا بالنسبة إلى الترجيح بالمرجح
الخارجي فإن شئت قلت إن أمر المعلوم بالإجمال على تقدير التسليم المزبور
مردد بين الأقل و الأكثر فلا يمنع من الرجوع إلى إطلاقات التخيير بالنسبة
إلى المرجح الخارجي و بعبارة أخرى الحكم باعتبار الظن بلزوم الترجيح بكلّ
مزيّة حتّى المرجّح الخارجي موقوف على ثبوت التّكليف بالتّرجيح بغير
ماتيقّن التّرجيح به و هو في حيّز المنع فإن سلّم إطلاق لأخبار التّخيير
فيحكم بمقتضاه و إلاّ فيؤخذ بالرّاجح لا من جهة ثبوت التّرجيح بالظّن
الخارجي من جهةدليل الانسداد بل من جهة كونه متيقّن الحجيّة على كلّ تقدير و
لا فرق في ذلك بين أن يكون هناك أصل أو عموم يرجع إليه على تقدير عدم وجود
الرّاجحمن الخبرين أو لا كما هو واضح هذا إذا فرض الفراغ عن اعتبار
المتعارضين في الجملة بعد التّعارض و حجيّتهما و تردّد الأمر فيما هو
الحجّة بين الرّاجح أوهو مع المرجوح على سبيل التّخيير كما هو المختار و
مقتضى الأخبار و الفتاوى في غالب الأعصار و أمّا إذا لم يفرض ذلك تعيّن
الرّجوع إلى عموم أو إطلاقأو أصل على تقدير عدمهما لا يخالف مقتضى
المتعارضين بناء على حجيّة الأخبار و غيرها من باب الطّريقيّة كما هو
المختار و عليه المشهور و المدار عندهملا السّببيّة المحضة الّتي يقتضي
الحكم بالتّخيير بين المتعارضين مطلقا بحكم العقل على ما عرفت مفصّلا من
غير فرق بين وجود المرجّح و عدمه هذاما يقتضيه التّحقيق الّذي سلكه شيخنا
قدس سره أيضا في باب التّعارض في خاتمة الكتاب و لا بدّ أن ينزل تحريره في
المقام عليه و إن لم يخل عن تمحّل و تكلّف فحكمهبرعاية الاحتياط بالأخذ
بالمظنون و الراجح من الخبرين بقوله و بالجملة فلا ينبغي ترك الاحتياط
بالأخذ بالمظنون في مقابل التّخيير لا بدّ أن ينزلعلى الفراغ عن حجيّة أحد
المتعارضين مع عدم الإطلاق لأخبار التّخيير كما أنّ حكمه بالرّجوع إلى
الأصول فيما طابق الاحتياط احتياطا و إشكالهفيما كان نافيا أو مثبتا مع
عدم إمكان الاحتياط لا بدّ أن ينزل على ما ذكرنا أخيرا من عدم الفراغ عن
حجيّة أحد المتعارضين كما يشير إليهقوله و الدّليل على هذا الإطلاق مشكل
خصوصا لو كان الظّن المقابل من الشّهرة المحقّقة و إن كان مقتضى التّحقيق
عدم الإشكال في الرّجوعإلى الأصل مطلقا فيما لم يخالف مقتضى المتعارضين
هذا ما يقتضيه تحقيق المقام عاجلا و عليك بالتّأمّل فيه لعلّك تجده حقيقا
بالقبول خاتمة مشتملة على أمرين ينبغي التّنبيه عليهما
خاتمة
مشتملة على أمرين الأوّل
أنّه كما لا يجوز إجراء حكم التّعادل إلاّ بعد الفحص التّام عن المرجّحات
المنصوصة في أخبار العلاج كذلك لا يجوزإجراؤه إلاّ بعد الفحص التّام عن
المرجّحات الخارجيّة بعد البناء على لزوم التّرجيح بها على ما عرفت وجهه
لوجوب الفحص عن الحجيّة الشّرعيّة و الطريقإلى الأحكام من غير فرق بين
الفحص عن أصل وجود الدّليل أو الفحص عمّا يجب الأخذ به فعلا مع وجود
الدّليلين المتعارضين و كما لا يجوز الرّجوع إلىالأصول العمليّة عند الشّك
في أصل وجود الدّليل قبل الفحص كذلك لا يجوز الرّجوع إلى أصالة عدم مزيّة
أحد المتعارضين على الآخر قبل الفحصو أمّا بعد الفحص التّام فإن احتمل
المزيّة و المرجّح الخارجي في كلّ منهما فلا إشكال في إجراء حكم التّعادل
لأنّه في معنى التّعادل حقيقة و إن احتملوجود المرجّح بالنّسبة إلى أحدهما
بالخصوص دون الآخر فيمكن القول بلزوم الأخذ به و إن لم يكن ظنّا نظرا إلى
الكليّة المستفادة ممّا عرفتمن الأخبار العلاجيّة من دوران التّرجيح مدار
عدم ريب في أحد المتعارضين موجود في الآخر و كذلك الحكم فيما لو وجد
الاحتمال في كلّ منهما و لكن كانوجود المرجّح في أحدهما مظنونا و في الآخر
مشكوكا أو موهوما فإنّه يجب الأخذ بما ظنّ وجود المرجّح فيه نظرا إلى
الكليّة المذكورة كما هو واضح و لافرق في ذلك كلّه بين المرجّحات
الدّاخليّة و الخارجيّة الثّاني
أنّه لو وقع التّعارض بين المرجّحات المنصوصة و الخارجيّة بوجود المرجّح
المنصوص في أحدالمتعارضين و الخارجي في الآخر فإن كان الوجه في التّرجيح
بالمرجّحات الخارجيّة و التّعدي عن المنصوصة إليها الكليّة المستفادة من
الأخبار فلا إشكال فيلزوم الأخذ بما هو الأقوى منهما في النّظر من جهة
حصول الظّن الفعلي منه لعدم التّرتيب بينهما على هذا التّقدير إذا حكم
التّعارض بينهما حينئذ حكم التعارضبين المرجّحات المنصوصة و إن لم يكن
هناك قوّة فيجب إجراء حكم التّعادل لعدم المزيّة بالفرض كما هو الشّأن فيما
وقع التّعارض بين المرجّحات المنصوصة و إن كانالوجه في التّرجيح بها دليل
الانسداد بالبيان الّذي عرفته و تقدّم ضعفه فلا إشكال في لزوم الأخذ
بالمرجّح المنصوص على ما نبّهناك عليه سابقا من لزومرعاية التّرتيب على
هذا التّقدير و ممّا ذكرنا كلّه يعلم حكم ما لو وقع التّعارض بين المرجّحات
الخارجيّة فإنّه على تقدير قوّة لبعضهايلزم الأخذ بالخبر الموافق لهذا
البعض و على تقدير عدم القوّة يرجع إلى حكم التّكافؤ و التّعادل هذاآخر ما
أردنا إيراده في سلك التّحرير و يتلوه الجزء الثّاني من التّعليقة إن شاء
اللّه تعالىو الحمد للّه أوّلا و آخرا و له الشّكر ظاهرا و باطنا و صلّى
اللّه على نبيّه محمّدخاتم أنبيائه و رسله و آله الطّيبين الطّاهرين
المعصومينحجج اللّه على الخلائق أجمعين و لعنة اللّهعلى أعدائهم
منالأوّلين و الآخرين و قد وقع الفراغ عن تحرير ما أردناه في شعبان
المعظّم سنة سبع و ثلاثمائة بعد الألف و كان تحريره على يد العبد أحمد
التّفرشي