لهما فلا يرفعه إلاّ أهميّة أحد المتزاحمين و أمّا مجرّد أقربيّة أحدهما
بالنّسبة إلى الواقع فلا تعلّق له بما يوجب ثبوت الحكم لهما بل ربما
ينافيهو أمّا ما قرع سمعك من كون الرّجحان مانعا عن حكم العقل بالتّخيير
فإنّما هو بالنّسبة إلى التّخيير الظّاهري العقلي بين الاحتمالين الّذي هو
منالأصول الأربعة لا التّخيير في المقام و الفرق بينهما مضافا إلى ظهوره
سيجيء بيانه مشروحا في الجزء الرّابع من التّعليقة إن شاء اللّه تعالى نعم
يمكن أن يكون الوجه فيه ما يشير إليه بعد ذلك من دليل الانسداد الجاري في
خصوص المقام بعد الفراغ عن الوجه الثّالث بقوله و لا بدّمن العمل به لأنّ
التكليف بالتّرجيح بين المتعارضين ثابت إلى آخر ما أفاده و إن ناقشه بقوله و
لكن لمانع أن يمنع وجوب التّرجيح إلى آخره و لعلّنانتكلّم في هذا الوجه
بعد ذلكقوله
قدس سره فمنها ما دلّ على التّرجيح بالأصدقيّة إلخ(1)أقول
لمّا كان الصّدق غير قابل للتّفصيل فلا بدّأن يكون المراد من الأصدقيّة في
الحديث هي الأقربيّة إلى الواقع و بعد إلقاء خصوصيّة الأقربيّة الحاصلة من
صدق الرّاوي و كثرةمطابقة خبره للواقع يدلّ على لزوم التّرجيح بكلّ ما
يوجب الأقربيّة إلى الواقع من غير فرق بين المرجّح الدّاخلي و الخارجي هذا و
لكن قد يناقشفيما أفاده بأنّ ملكة الصّدق في الرّاوي كملكة العدالة يمكن
أن يكون لها جهة موضوعيّة و إن كانت لها جهة طريقيّة دائما فإذا حكم
الشّارعبلزوم العمل بخبر الصّادق فلا يكون المراد منه إلاّ من كان له ملكة
الصّدق لا من طابق خبره الواقع فإنّه غير قابل لتعلّق الجعل الشّرعي به و
لا منكان يظنّ مطابقة خبره للواقع حتّى يدلّ على حجيّة الخبر المظنون
مطابقته للواقع مطلقا فإذا كان الصّدق من الملكات فيمكن اعتبار
القربالحاصل منه كما يمكن اعتبار شدّته في التّرجيح فيكون حالها حال
الأعدليّة فتأمّل و أشكل منه ما أفاده في التّرجيح بالأوثقيّة
للتّسريةبالنّسبة إلى المرجّحات الخارجيّة و إلا لدل ما دلّ على حجيّة خبر
الثّقة على حجيّة كلّ ما يفيد مقدار الظّن الحاصل منه فتدبّر في كيفيّة
استفادة لزوم التّرجيح بمطلق المزيّة من التعليلات الواردة في أخبار
العلاج
قوله
قدس سرهو ممّا يستفاد منه المطلب على وجه الظّهور إلخ(2)أقول
ظهور تعليل تقديم المشهور من حيث الرّواية المعروف بين الرّواة و أهل
الرّواية علىالشّاذ الغير المعروف بينهم و ترجيحه عليه من حيث انتفاء
الرّيب الموجود فيه من حيث تفرّد بعض بروايته في المشهور و إن كان فيه ريب
موجود فيالشّاذ أيضا من جهة أخرى في إناطة التّرجيح بكلّ ما يوجب نفي
الرّيب بالإضافة من حيث تقليل الاحتمال أو ضعفه أمر لا ينبغي الارتياب فيه
أصلا من حيثرجوعه إلى التّعليل بالصّغرى فيدلّ على ثبوت كبرى مطويّة
مفروغا عنها إذ لولاها لم يصحّ التّعليل و الاستدلال هذا مضافا إلى اقتضاء
العلّةالمنصوصة دوران الحكم مدارها من غير أن يكون مدخليّة لموردها و منه
ينقدح دفع جميع الإشكالات الواردة على أخبار العلاج و تعارض بعضهامع بعض من
حيث تقديم بعض المرجّحات في بعضها و تأخيره أو العطف بالواو الظّاهر في
الجمع و الاقتصار في بعضها بذكر بعض المرجّحات إلى غير ذلكفإنّه إذا كان
مدار التّرجيح على ما عرفت لم يرد شيء منها كما هو ظاهر و قد عرفت الإشارة
إليه في مطاوي كلماتنا السّابقة و سيأتي تفصيل القول فيهفي الجزء الرّابع
من التّعليقة إن شاء الله تعالى نعم
على القول بالاقتصار على المرجّحات المنصوصة لا مناص عن توجّه بعض
الإشكالات كما هو واضح لمن له أدنى تأمّلو بهذا التقريب يستدلّ على
المدّعى بتعليل تقديم المخالف للعامّة على الموافق لهم بكون الرّشد في
خلافهم كما في أكثر الأخبار أو كونه صادرا بعنوانالتّقيّة كما في بعض
الأخبار بناء على حمله على مسألة التّعارض بقرينة الإجماع كرواية سماعة نعم
ما دلّ على تقديم المخالف على الموافق من حيثالتّعبّد أو من جهة مجرّد
حسن المخالفة لا دلالة له على التّعدي أصلا و منه يظهر أنّ الأظهريّة
المدّعاة في الكتاب لتعليل تقديم المخالف للعامّة على الموافقفي الدّلالة
على التّعدي حتّى بالنّسبة إلى دلالة تعليل تقديم المشهور على الشّاذ حرفا
بحرف فكيف يكون أحدهما أظهر من حيث الدّلالة بل الإنصاف أنّ دائرة
التّرجيحبالنّظر إلى التّعليل المذكور أوسع منها بالنّظر إلى تعليل تقديم
المخالف حيث إنّه لا يدلّ على التّرجيح بكلّ ما يوجب ضعف الاحتمال كما هو
ظاهر ثمّ
في كونالظّهور المستفاد من مجموع الرّوايات الواردة في باب العلاج في
التّعدي و التّسرية حتّى بالنّسبة إلى المرجّحات الخارجيّة على تقدير
الإغماض عن الظهورات المذكورة فيهكظهور كلّ واحد في لزوم الأخذ به ممّا لا
ريب فيه لكونه ظهورا مستندا إلى اللّفظ حقيقة و إن استند إلى مجموع
الألفاظ لعدم الفرق في بناء أهل اللّسان و العرفبينهما أصلا على ما فصّل
مستقصى في محلّه و أمّا الاستدلال بدليل الانسداد للتّعدي و التّسرية بناء
على قيام الظّن الغير الثّابت حجيّته على التّرجيح بكلّ ما يوجبهو لو بحسب
المرجّحات الخارجيّة بناء على الإغماض عمّا عرفت من الدّليل عليه فهو محلّ
نظر و مناقشة فإنّه إذا كان ظاهر الأخبار التّرجيح بأمور مخصوصة و لم
تدلّعلى مناط مشترك كما هو المفروض فإن فرض انسداد باب العلم بتشخيص تلك
الأمور و الظّن الخاصّ به استقام تشخيصها بالظّن المطلق المتعلّق بها
كالظّن بالمشهوررواية أو الأعدليّة أو المخالفة للعامّة إلى غير ذلك و أمّا
الظّن بالحكم الفرعيّ المطابق لأحد المتعارضين فليس ظنّا بما ثبت التّرجيح
به و ليس من أطراف العلمالإجمالي أيضا بالفرض حتّى يرجع إلى الظّن بكونه
ممّا جوّز التّرجيح به فكيف يتمسّك بدليل الانسداد لإثبات اعتباره في لزوم
التّرجيح بما قام عليه من الظّن الخارجيفإن شئت قلت إن التمسّك بدليل
الانسداد في هذه المسألة الأصوليّة الخاصّة كالتمسّك به في سائر المسائل
موقوف على العلم الإجمالي بالتّكليف بالتّرجيحبأمور غير معلومة بالتفصيل و
لا مظنونة بالظّن الخاصّ مع كون المرجّح الخارجي من أطرافه بحيث لا يكون
هناك قدر متيقّن و ليس في المقام علم إجماليّ على الوجه المذكور