و يدلُّ على المسامحة في الكراهة مضافا إلى ما مر من الأدلة [1] عدم القول بالفرق بينه و بين الندب، كما هو ظاهر لمن تتبع كلمة الفقهاء في مواردها.
و ثالثها: دوران الأمر بين الإباحة و الوجوب
بصورها الخمسة المتقدمة في المقامين السابقين. و في اقتضاء ذلك الندب لقاعدة المسامحة قولان: قول بالعدم، لأن ظاهر الدليل الوجوب، لكنه لوجود المعارض أو لضعفه و عدم الاعتماد عليه رجعنا إلى الأصل و تركنا العمل به، فلا وجه للقول بالندب، لأنه أمر ثالث لا يقتضيه الأصل و لا يقتضيه الدليل. و أدلة المسامحة من الأخبار المتقدمة قد عرفت اختصاصها بالدليل الدال على الندب و إن كان ضعيفا، و لا يقتضي حمل الوجوب على الندب. و قول بثبوت الندب، نظرا إلى أن دليل المسامحة لا ينحصر في النصوص، و إنما الاحتياط عقلا أو شرعا يقتضي برجحان ما نحن فيه، بل ربما قيل بوجوب الاحتياط و إن لم يكن هنا قولا معروفا. و يمكن إدراج المقام تحت الأخبار أيضا، بأن يقال: بأن ما دل على وجوب الشيء المشكوك فيه دال على الثواب عليه، فمقتضى النصوص: أن من فعله لذلك اوتي الثواب و إن لم يكن في الواقع كذلك، و يثبت بذلك الاستحباب. فان قلت: الثواب المترتب على الواجب غير ما تعلق بالندب، فإن أتى به على أنه مندوب يريد ثوابه فقد أتى بخلاف ما بلغه، و إن أتى بعنوان أنه واجب يريد ثوابه فهو خلاف المدعى، و مستلزم للمسامحة في الوجوب، و قد مر أنه مخالف للإجماع. قلت: لا نسلم لزوم نية الوجوب و الاستحباب، بل هي غير لازمة، و إنما يأتي المكلف بهذا الأمر المشكوك قاصدا لما بلغ إليه من أن له ثوابا، و لكن لا يدري أنه