واضطرب كلامه في المنتهى، فقال في موضع منه: «النجس من الجاري إنّما هو
المتغيّر دون ما عداه. أمّا الأوّل: فبالإجماع، والنصوص الدالّة على نجاسة
المتغيّر. وأمّا الثاني: فبالأصل الدالّ على الطهارة، السليم عن المعارض، وهو
تغيّر، والملاقاة لا توجب التنجيس له، لما يأتي، وكذلك
البحث في الواقف الزائد على الكرّ; فإنّ ما عدا المتغيّر إن بلغ كرّاً فهو على
الأصل، وإلاّ لحقه الحكم، لحصول الملاقاة الموجب للتنجيس»[1].
وهذا الكلام صريح في طهارة الجاري مطلقاً، كما هو المشهور.
وقال بعد ذلك: «اتّفق علمائنا على أنّ الماء الجاري لا ينجس بالملاقاة.
وهو قول أكثر المخالفين، وللشافعي قولان: أحدهما أنّه
كالراكد، والثاني مثل قولنا»[2]. واحتجّ على
ما قاله بالإجماع وغيره. وهذا في الدلالة على المشهور أوضح من
سابقه.
ثمّ قال في جملة فروع المسألة: «لا فرق بين الأنهار الكبار والصغار. نعم،
الأقرب اشتراط الكرّية، لانفعال الناقص عنها مطلقاً»[3].
والتنافي بينه وبين ما تقدّمه في غاية الظهور، ومع هذا الاضطراب والاختلاف
يهون الخطب في هذا الخلاف.
القول المختار والاستدلال
عليه:
وكيف كان، فالمذهب هو المشهور.
لنا:
مضافاً إلى الأصل، والإجماع المعلوم بالتتبّع والنقل، عموم الكتاب والسنّة
[2]. نفس المصدر : 27 ـ 28 .
ومن قوله : « وللشافعي قولان » إلى آخره ، نقل
بالمضمون وليس نصّ عبارة العلاّمة ، على ما في النسخة المعتمدة عليها
من منتهى المطلب .