نام کتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم نویسنده : ابن عجيبة جلد : 1 صفحه : 506
ما ذا يفوته؟. حكي عن بعض المشايخ أنه دخل
برية الحجاز مع أصحابه بغير زاد، فلما طالت عليهم المدة و أجهدهم الجوع انحرف
الشيخ عن الطريق، وهز شجرة فأسقطت رطبا جنيّا فأكلوا منها إلا شابّا، فقال له
الشيخ: لم لم تأكل؟ قال: إني نويت التوكل على اللّه و رفضت الأسباب جملة، فكيف
أجعلك عندي بمنزلة السبب حتى تكون النفس متشوقة لما علمت منك؟ ثم لم يصحبهم تصحيحا
ليقينه و إتماما لعقده، و مما يعين على تحقيق اليقين و صدق التوكل رفض الدنيا و
أهلها، و إليه أشار بقوله:
270- و إنّه لا بدّ لبناء هذا الوجود أن تنهدم دعائمه، و أن تسلب
كرائمه.
قلت: قد حكم اللّه على هذا الوجود الظاهر أن يصير باطنا فلابد أن
تنهدم دعائمه، و هي ما يستقل به وجوده في العادة، و هي هنا استعارة عن هدم وجوده و
تبديله في خلق آخر، قال تعالى: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ
غَيْرَ الْأَرْضِ وَ السَّماواتُ [ابراهيم: 48]، و قال
تعالى: كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ
[القصص: 88]، على تأويل أهل الظاهر، و لا بد أيضا أن تسلب كرائمه، و المراد زوال
بهجته و جماله، و هي زينة الدنيا التي ذكرها اللّه بقوله:
زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ [آل عمران: 14]، فمن تيقن
بفناء هذا الوجود و زوال هذا العرض الفاني جعل الدنيا محلا للعبور يعبر منها إلى
دار البقاء، فيصبر على شدتها و لأوائها حتى تنقضي عنه أيام الدنيا، فهذا هو العاقل
الذي ذكره بقوله:
271- فالعاقل من كان بما هو أبقى أفرح منه بما هو يفنى.
قلت: لأن من علامات العقل: «التجافي عن دار الغرور، و الإنابة إلى
دار الخلود، و التزود لسكنى القبور، و التأهب ليوم النشور» كما قال 7.
فالعاقل هو الذي يميز بين الحق و الباطل، و النافع و الضار، و الحسن و القبيح، و
كل ما يفني و إن طال فهو قبيح، و كل ما يبقي و إن غاب فهو مليح. قال بعضهم: يا
عجبا للمطمئن للدنيا و الراكن إليها، و الحريص عليها، و هو يرى سرعة زوالها، و
كثرة تقلبها، و مفاجأة نوائبها، و أنشدوا:
نام کتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم نویسنده : ابن عجيبة جلد : 1 صفحه : 506