نام کتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم نویسنده : ابن عجيبة جلد : 1 صفحه : 173
على اللّه، فإذا أعرضوا عنه وردوا عليه قوله
بسط عليهم النعم الحسية حتى إذا اطمأنوا و فرحوا بها دمرهم اللّه و أخذهم بغتة،
ليكون ذلك أشد في العقوبة، قال الشاعر:
و
أعظم شيء حين يفجؤك البغت
و قال تعالى: وَ لا يَحْسَبَنَّ
الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي
لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ
[آل عمران: 178]، فالواجب على الإنسان إذا أحس بنعمة ظاهرة أو باطنة حسية أو
معنوية أن يعرف حقها، و يبادر إلى شكرها نطقا و اعتقادا و عملا، فالنطق الحمد و
الشكر باللسان، و الاعتقاد شهود المنعم في النعمة و إسنادها إليه، و الغيبة عن
الواسطة بالقلب مع شكرها باللسان، «من لم يشكر النّاس لم يشكر اللّه[1]»، «أشكركم للّه أشكركم للنّاس[2]»، فإذا قال له: جزاك اللّه خيرا
فقد أدى شكرها، و الشكر بالعمل صرفها في طاعة اللّه كما تقدم، فإن لم يقم بهذا
الواجب خيف عليه السلب، و الاستدراج و هو أقبح. و الحاصل: أن الشكر هو الأدب مع
المنعم، و من جاءت على يديه، فإن أساء الأدب أدّب، و قد يؤدّب في الباطن و هو لا
يشعر، كما أشار إلى ذلك بقوله:
66- من جهل المريد أن يسيء الأدب فتؤخّر العقوبة عنه فيقول: لو
كان هذا سوء أدب لقطع الأمداد، و أوجب البعاد، فقد يقطع المدد عنه من حيث لا يشعر،
و لو لم يكن إلا منع المزيد. و قد تقام مقام البعد و أنت لا تدري، و لو لم يكن إلا
أن يخلّيك و ما تريد.
قلت: من الأمور المؤكدة على المريد الصادق أن يرعى الأدب مع اللّه في
كل شيء، و يلتزم التعظيم لكل شيء، و يحفظ الحرمة في كل شيء، فإن أخلّ بشيء من
هذه الأمور و أساء الأدب مع ربه فليبادر بالتوبة و الاعتذار مع الذلة
[1] - رواه البخاري في الكنى( 1/ 51)، و الترمذي( 4/
339)، و أحمد في مسنده( 3/ 32).