نام کتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم نویسنده : ابن عجيبة جلد : 1 صفحه : 106
معرفة مولاه لم يطلب من سواه، و من أودع في
سر غيبه الجهل بمولاه تعلق بما سواه، و هكذا أحوال الظاهر تابعة لأحوال الباطن كما
تقدم في قوله: «تنوعت أجناس الأعمال لتنوع واردات الأحوال»، فالأسرّة تدل على
السريرة، و الكلام صفة المتكلم، و ما فيك ظهر على فيك، و كل إناء بالذي فيه يرشح،
و ما خامر القلوب فعلى الوجوه أثره، و اللّه تعالى أعلم و أعظم ما استودع في غيب
السرائر معرفة اللّه، و هي على قسمين: معرفة البرهان، و معرفة العيان، أشار إلى
الفرق بينهما فقال:
29- شتّان بين من يستدلّ به أو يستدلّ عليه، المستدلّ به عرف الحقّ
لأهله فأثبت الأمر من وجود أصله، و الاستدلال عليه من عدم الوصول إليه، و إلا فمتى
غاب حتى يستدل عليه؟ و متى بعد حتى تكون الآثار هي التي توصل إليه.
شتان: بمعنى بعد و افترق، و لا تكون إلا في افتراق المعاني دون
الحسيات.
قلت: اعلم أن الحق سبحانه لما أراد أن يتجلى بأسرار ذاته و أنوار
صفاته أظهر بقدرته قبضة من نوره الأزلي، فاقتضت القدرة ظهور آثارها و شهود
أنوارها، و اقتضت الحكمة إسدال حجابها و إظهار أستارها، فلما أفرغت القدرة نورها
في مظاهر الكون أسدلت عليها الحكمة رداء الصون، فصارت الأكوان كلها نورا في حجاب
مستور. ثم إن الحق سبحانه قسم الخلق على قسمين و فرقهم فرقتين: قسم اختصهم بمحبته،
و جعلهم من أهل ولايته، ففتح لهم الباب و كشف لهم الحجاب، فأشهدهم أسرار ذاته، و
لم يحجبهم عنه بآثار قدرته، و قسم أقامهم لخدمته، و جعلهم من أهل حكمته أسدل عليهم
حجاب الوهم و غيب عنهم نور العلم و الفهم، فوقفوا مع ظواهر القشور، و لم يشهدوا
بواطن النور مع شدة الظهور، فسبحان من أخفى سره بحكمته، و أظهر نوره بقدرته.
نام کتاب : ايقاظ الهمم فى شرح الحكم نویسنده : ابن عجيبة جلد : 1 صفحه : 106