يقتصر ثوابه على ما يقدمه قبل وفاته من
صدقته بل أنه يثاب أيضا على أن يجعل أولاده في غنى عن سؤال الناس بما يقيهم عوز[1] الدهر و يدفع عنهم غائلة[2] الأيام و بؤس الفقر و ذله، بل ليس
ذلك فقط هو الذي يؤجر عليه المؤمن، فإن أقل الحظوظ الدنيوية إذا قصد به وجه اللّه
كان طاعة يثاب عليها كما يشير إلى ذلك قوله: «حتى ما تجعله في فيّ امرأتك».
فانظر كيف أن البر الرحيم ذا الفضل العظيم يرضى من المسلم ببعض ماله
و يجزيه عليه متى كان خالصا له وحده لا رياء فيه و لا نفاق، و يفيض عليه من رحمته
على أدنى الخيرات يأتيها.
و قد عبر الرسول بقوله: «ورثتك» ليكون الجواب كليا مطابقا لكل حال
يموت عليها سعد، سواء أورثه ابنته وحدها أم مع غيرها أم ورثه غيرها، و لم يخص
ابنته دون سواها ليشمل جميع الورثة و أنه مطالب بأن يغنيهم بما يقيهم ذل السؤال.
و هناك لطيفة في نهاية الحديث. تلك هي قوله: «و إنك لن تنفق» ...
إلخ، فإن سؤال سعد رضي اللّه عنه يشعر بأنه رغب تكثير الأجر فلما منعه الرسول صلى
اللّه عليه و سلم من الزيادة عن الثلث قال له على سبيل التسلية و الترضية إن جميع
ما تفعله في مالك من صدقة ناجزة و من نفقة و لو كانت واجبة تؤجر عليها ابتغيت بذلك
وجه اللّه تعالى.
هذا و يؤخذ من الحديث سوى ما تقدم:
1- أن الوصية لا تجوز بأزيد من الثلث إن كان هناك وارث. و قد اختلف
فيمن ليس له وارث، فذهب جمهور الأئمة إلى منعه من الزيادة عليه، و قال الحنفية
يجوز الزيادة إذ ذاك مستدلين بأن الوصية في الآية مطلقة
مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ[3]،
فقيدتها السنة بمن له وارث فبقي من لا وارث له على اطلاقه.
و بهذا الحديث أيضا لأن من لا وارث له لا يترك من يخشى عليه الفقر.